Loading...

سباق الفضاء على طريقة محمد بن سلمان!

بعد ان انتهيت من الاستماع لمقابلة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شعرت بفرح واعتزاز لا أعلم تحديداً ما سببه. أفتح تويتر وأتصفح ردات الفعل المختلفة لعلي أجد مبرر لهذا الشعور الغريب الذي تملكني، ماهذا؟ الأغلب متفائل و مبتهج في تويتر وواتساب! من أين جاءت هذه الطاقة الإيجابية؟  لم يكن هناك إعلان زيادة للرواتب ولا تعديلات وزارية كما تعودنا سابقاً. أعود وأقرأ ملخص لأهم المحاور التي تطرق لها الأمير فأجد أغلبها وعود وتطلعات ومشاريع مستقبلية…اذاً مالذي تغير؟ وماذا حدث؟ وماهي الطلاسم التي القاها علينا هذا الساحر الشاب؟ كيف وصلني تأثيرها وأنا أتابعها هنا لوحدي في قاعة دراسية بولاية أمريكية تبعد الاف الكيلومترات..

وحتى ان اجد جواب لما احسسنا به يوم امس كمواطنين سعوديين، لابد أن اعود بذاكرتي الشخصية اربع سنوات للخلف. كان ذلك في صيف 2012 هناك في ولاية فلوريدا وتحديداً في جامعة جاكسونفيل حيث جمعني حوار عابر مع الدكتور دانييل جدج وهو أحد المشرفين في برنامج الزمالة الطبية. أتذكر جيداً عندما كنت اناقش معه حالة مريض في مكتبه لفت انتباهي كتاب بجانبه عليه صورة الرئيس الامريكي جون كينيدي. هذا الشخص الذي لم أكن أعرف عنه الا القليل لكني سمعت عنه أكثر من أي رئيس أمريكي آخر وكنت قد لاحظت خلال اقامتي في امريكا أن الأمريكيين عموماً يحبون الرئيس كينيدي بطريقة مبالغ فيها نوعاً ما. أخيراً جاءت الفرصة المناسبة للسؤال وبدأت حواري مع أستاذي بالسؤال الذي يبدو انه استفزه، حينها قلت له، لا أفهم لماذا كل هذا الإهتمام بالرئيس كينيدي؟ او بالمعنى العامي ( ليش كل هالصجة عن الرئيس كيندي) “I don’t understand what is all this fuss about Kennedy”

حينها أحس انه من الواجب عليه ان يشرح لهذا العربي ماذا يعني كينيدي بالنسبة له و لأمريكا. تعال يابني…قالها بطريقة أبوية وأشار لي بالجلوس ثم بدأ يعدد مناقبه ويتكلم عن قصة الوصول لسطح القمر ودوره في الأزمة السياسية مع الاتحاد السوفييتي ثم انتقل بعدها يشرح مبادئه في الحقوق المدنية للسود وكيف أصبحت أمريكا بفضله مثال عالمي للمساواة والحقوق. وأخيراً يختم بنبرة حزينة قصة اغتيال الرئيس كينيدي. استمرت المحادثة وتشعبت فقررت بعدها أن أقرأ عن هذا الرئيس وأفهم ماذا فعل ليبقي حبه في قلوب شعبه بعد أكثر من نصف قرن من وفاته…ماهو الشيء الذي قام به ولمسه كل عامل وطالب ومدرس وطبيب ومواطن عاش تلك الفترة؟

لكي نفهم حجم وقيمة وتأثير الرئيس كينيدي على الثقافة الأمريكية لابد أن نلقي نظره خاطفة على الوضع العام في أمريكا إبان بداية حكم الرئيس كيندي مطلع الستينات. كان الاتحاد السوفيتي قوة عظمى وكانت الأزمة على أشدها مع أمريكا. إزداد الأمر سوء بتفوق السوفييت في سباق الفضاء باطلاق رحلة ناجحة لسطح القمر. في ذلك الوقت شعر الأمريكان أنهم فقدوا الكثير من هيبتهم ومن سيادتهم للعلم والتكنولوجيا. بعد صدمة وصول السوفييت للفضاء بشهر جاءت الخيبة الأكبر وذلك بفشل عسكري أمريكي فضيع فيما كان يعرف بمعركة خليج الخنازير مع كوبا. هذه الهزائم التقنية والعلمية والعسكرية صاحبها وجود أزمة اقتصادية طاحنة خلقت جو من الإحباط واليأس والشك في النفس والخوف من المستقبل وبداية ضياع الحلم الأمريكي.

يقول د.جيفري ساشز وهو استاذ بجامعة كولومبيا:

في الذكرى الخمسين على رحيل الرئيس كينيدي نحتفل جميعاً بذلك الشخص الذي زرع فينا الثقة التي احتاجها شعبنا لتجاوز التحديات. حينما قال لنا كينيدي ذات يوم ( جميع المشاكل التي نواجهها من صنع البشر، وبالتالي من الممكن أن يحلها البشر) آمنا به وصدقناه. في ذلك الزمن البعيد كانت امريكا غير قادرة حتى على إطلاق موقع الكتروني…يأتي هذا الرجل الملهم ويقول لنا بكل جرأة (خلال اقل من عشر سنوات سنرسل رجل منا الى سطح القمر وسيعود لأرض الوطن دون أن يصاب بمكروه) أتذكر هذه اللحظات التاريخية التي الهمت جيلي ولازالت تلهم الشعب الامريكي الى اليوم.

يواصل جيفري في شرحه لما يمثله الرئيس كينيدي بالنسبة لأمريكا ويقول:

برنامج الفضاء الأمريكي بالنسبة للرئيس كيندي هو مثال صريح للإيمان بقدرات الشعب الامريكي وكيف نستطيع الانتصار والفوز عندما تتوحد الجهود والاهداف. استطعنا الفوز على السوفييت في سباق الفضاء، واستطعنا الإثبات للجميع أننا سادة العالم في التكنولوجيا والعلم. منذ البداية كان الهدف ضخم وشبه مستحيل وفوق ذلك كله كان هناك خط زمني حدده الرئيس دون ان تكون هناك خطة مكتوبة وواضحة بعد! ماقام به الرئيس كيندي كان محفز لجميع الناس. بالطبع كان محفز للعاملين بوكالة ناسا للبحث والتطوير بوجود كامل الدعم والثقة التي وفرها لهم الرئيس لجعل الحلم حقيقة.

يتذكر  جيفري اعظم رد سمعه في حياته عندما القى الرئيس الامريكي جون كينيدي خطابه الشهير بجامعة رايس، حينها كان السؤال المتداول من الكثيرين عن تحدي الوصول للقمر…لماذا القمر؟ لماذا  تختار الامة مثل هذا الهدف؟ هكذا كان يتساءل الناس. فيأتي الرد من الرئيس كينيدي (اخترنا تحقيق هدف الذهاب لسطح القمر وكذلك أشياء اخرى خلال أقل من عشر سنوات، ليس لأنه هدف سهل ولكن لأنه الأصعب. اخترنا هذا الهدف العظيم لأنه سيساعدنا على ترتيب وتوظيف مهاراتنا وقدراتنا في كل الجوانب. اخترنا هذا الهدف لاننا نعشق التحدي ولا نستطيع تأجيله أكثر. اخترناه لأننا قادرين على إنجازه وإنجاز اهداف أخرى كذلك).

ماذا يعني كل هذا وما علاقة الرئيس كينيدي بما قدمه  الأمير الشاب محمد بن سلمان بخصوص رؤية السعودية 2030 ؟

رغم اختلاف الاهداف والظروف والتحديات التي تواجهها السعودية وشعبها الا أننا بحاجة منذ زمن طويل لمن يجعلنا نؤمن بقدراتنا وأنفسنا. كنا بأمس الحاجة لرمز وطني ملهم. كنا جميعاً نريد ان نخدم وطننا ولكن لا نعلم من اين نبدأ لان الهدف كبير والجهود مشتتة والرؤية معدومة. عندما وعد الرئيس كينيدي بالوصول لسطح القمر لم يفعل أكثر من توقيع بعض القرارات وتوفير الدعم المالي. اليس كذلك؟ وكالة ناسا التي وصلت للقمر وليس كينيدي، علماء ومهندسوا ناسا هم من أوصلوا  نيل ارمسترونج لسطح القمر وليس ذلك الأشقر الجميل المغرم بالسهر. ولكن أين كانوا قبل أن يضعهم الرئيس أمام التحدي؟ من الذي فجر الطاقات بداخلهم؟ من الذي جعلهم يعملون ليل نهار من أجل الحلم الامريكي؟ انه ذلك الرئيس الذي لم يستمر حكمه أكثر من ٣٠ شهر.

ما أود قوله اننا لا ننتظر من الأمير محمد بن سلمان عصى سحرية…ننتظر منه فقط أن يواصل إلهامنا. ننتظر منه ان يضع جميع مؤسسات الدولة أمام تحديات كبيرة وأحلام عريضة. ننتظر منه أشياء لا أعرفها بعد…من أنا لأقول لابن الملك ماذا يجب عليك أن تفعل؟! التفاؤل معدي وكذلك التشاؤم…الفوز عادة وكذلك الخسارة. هذه الطاقة الإيجابية التي نراها بدأت بالظهور لم تكن لتوجد لو لم نسمعها في عبارات أحد اقوى رجال الدولة…لم يكن يستطيع ألف كاتب أو إعلامي أن يقنعنا أن نصدق أي كلمة من كلام الأمير محمد بن سلمان لو شعرنا للحظة أنه لا يعني ما يقول.

أخيراً ماهو دورنا؟ وماذا يجب أن نفعل؟ الأهداف المرسومة تغطي كافة جوانب حياتنا، وهذا يجعل المسؤولية على الجميع بإتقان ما يقوموا بعمله…على المدرس أن ينظر في عيون طلابه ويزرع فيهم أمل الغد، على ذلك الجندي أن يستعد للخطر، على المهندس ان يعتمر خوذته، على ذلك الرياضي ان ينضبط في تمارينه ويبذل أقصى جهد، على الفقيه أن يجتهد أكثر ويعمل عقله لإيجاد حلول تناسب العصر، على تلك السيدة أن تربي أطفالها لمستقبل لن يكون فيه مكان للضعفاء والمتشككين في قدراتهم. علينا جميعاً ان نسأل أنفسنا…كيف أكون جزء فاعل من برنامج التحول؟ كيف أستطيع أن أرد لوطني ومجتمعي جزء من الجميل؟

اسأل الله ان يوفق حكامنا وولاة امرنا بما فيه خير لنا ولوطننا ولديننا وأن يجعلنا قادرين على رد شيء بسيط لهذا الوطن الذي نحبه.

You might also like

Comments (14)

  • زهراء الحازمي 8 سنوات ago Reply

    ولمثل هذا فليعمل العاملون …
    عبارات رائعة وبعد في الرؤية وعمق في التفكير
    نعم نحن بحاجة لمثل هذه القيادات .ومن أصغرمؤسسة حكومية ومن داخل البيت الى أعلى منصب .
    بارك الله في قلمك وعقلك الواعي الفطن 👍🏻

    أنور الحازمي 8 سنوات ago Reply

    شكراً لك اختي الغالية على كلامك الرائع

  • اسماعيل 8 سنوات ago Reply

    وباذن الله ترجع بقالة العم صالح عشان يكون رجل منتج

    أنور الحازمي 8 سنوات ago Reply

    العم صالح في قلوبنا 🙂

  • أمجاد الحازمي 8 سنوات ago Reply

    بارك الله فيك ..مقالك اوضح لنا فكرة الامير محمد وما اللذي ننتظره منه وما اللذي ينتظره منا..وضحت الافكار والاساليب المفترض العمل بها مستقبلاً..تقريبا اصبحت لدينا فكرة عما ستكون عليه المملكة في السنوات المقبلة.

    أنور الحازمي 8 سنوات ago Reply

    بإذن الله تتحول الفكرة الى عمل ومشاريع نشارك بها جميعاً لبناء وطننا الذي نحلم به…شكراً على مرورك اخت أمجاد.

  • علي عبده علي كفات 8 سنوات ago Reply

    ما اجمل العاشقون الملهمون وما اجمل اجمل ان يخالطهما روح الشباب والاعتزاز والثقة والتفائل … مقال رائع مليئ برؤية عميقة و الهام وتحدي متوقد ومنقطع النظير .. وباذن الله بهمة وعزيمة وثقة سنعبر الصعب وسننجز المستحيل … لطربني مقالك دكتور انور مع وافر التقدير .

    أنور الحازمي 8 سنوات ago Reply

    لك كل الحب والتقدير ياغالي…كما تفضلت: الهمة والعزيمة هما الكلمتان السحريتان التي تحول المستحيل لممكن.

  • طه الحازمي 8 سنوات ago Reply

    “وكالة ناسا التي وصلت للقمر وليس كينيدي”
    رائع جدًا ما كتبت، وعميقة هي تلك الاسقاطات،
    الاتقان في العمل والاحسان فيه يحتاج إلى مثل هذه الروح وهذا التجديد والتفاؤل والرغبة في الإنجاز والشعور بالمسؤولية تجاه الدور الذي يقوم به كل فرد

    نظرة جميلة أخي الحبيب، أطيب التحايا

    أنور الحازمي 8 سنوات ago Reply

    سأل احدهم يوماً ما…ماهي وصفة النجاح لأي فريق عمل؟
    فجاء الرد من الدكتور طه ” الاتقان في العمل والاحسان فيه يحتاج إلى مثل هذه الروح وهذا التجديد والتفاؤل والرغبة في الإنجاز والشعور بالمسؤولية تجاه الدور الذي يقوم به كل فرد”

    اسعدتني حروفك

  • أمين ابواللطيف الحارمي 8 سنوات ago Reply

    رؤية السعودية 2030
    التحول الوطني 2030
    التغيير الذي كان أمنية بعيدة لا نصدق أنها ستحدث أصبح قريباً جداً ⛅️ ..

    أنور الحازمي 8 سنوات ago Reply

    صدقت ياعزيزي..وفي رأيي الشخصي ان هذا الرقم ٢٠٣٠ هو هدف مرحلي ومهم ولكن قبله بإذن الله ستتحقق اهداف نلمسها كمواطنين…فلن انتظر حتى ٢٠٣٠ 🙂 شكراً لك

  • أسامة مرتضى الحازمي 8 سنوات ago Reply

    مقال جميل و هادف وعميق عن رؤية 2030

    جميل هي رؤية 2030 فيها كثير من تغيرات تؤثر في المملكة .
    أكبر خطه للتحويل الأقتصادي في السعودية .
    لماذا نسارع في الغرب و الكافرين لحل مشاكلنا ؟! لكن قد قدم الأمير هدف واضحا يسير طريقنا نحو النجاح .
    يقدم فيه : تحدي ، فكر ، شجاعه ، عمل ، رفاهية .
    شكرا اخي انور على مقالك الرائع 👍😊

    أنور الحازمي 8 سنوات ago Reply

    شكراً لك أسامة على مرورك و تعقيبك…

Leave a Reply