Loading...
Browsing Category

الريادة الأكاديمية والابتكار

الابتكار في تعليم المهارات

“لا يمكننا التنبؤ بالمستقبل، فالغموض والتعقيد وعدم اليقين هي السمات الأكيدة له، هذه الحقيقة تجعل المهمة صعبة على المهتمين بالتعليم. كيف يمكننا أن نستعد لوظائف لم يتم انشاؤها بعد؟ كيف نجهز الأجيال القادمة لاستخدام تقنيات لم يتم اختراعها بعد أو لحل مشكلات اجتماعية لازلنا لا نستطيع تخيلها بعد؟ إننا نعيش زمن تغيرات ومنعطفات جذرية، فالمستقبل يبدو قاتماً وواعداً في نفس الوقت. لكننا لا يجب ان نشعر اننا ضحايا التغيير او الحلقة الأضعف، نحن من يملك تشكيل المستقبل وصناعته، وصناعة عالمنا الذي نحلم به OECD 2019 “.

كانت هذه خاتمة تقرير مؤتمر الابتكار في التعليم في مقر الاتحاد الأوربي ببروكسل عام 2019 كنت حينها ضمن المشاركين في ورشة عمل من 34 دولة  نتشارك فيها الحلول المبتكرة في التعليم والتي تنظمها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD . بعد أيام من الفعاليات تأكدت من شيء واحد، وهو أن ما نعانيه ونبحث له عن حل في مجال التعليم والابتكار في المملكة العربية السعودية ليست مشكلتنا وحدنا، إنها ايضاً مشكلة تعانيها دول صناعية متقدمة مثل المانيا وفنلندا واليابان، هذا التساوي في المعاناة كان مصدر اطمئنان لي، ذلك أننا جميعاً نبحث عن حل لنفس المشكلات والأسئلة فيما يخص التعليم، ماهي المعارف والمهارات التي يجب التركيز عليها؟ كيف نبتكر في تعليم هذه المعارف والمهارات؟ كيف نجهز الجيل الحالي لمواجهة تحديات المستقبل؟

كأكاديمي ومتخصص في التعليم والتدريب قمت بمراجعة بحثية للإجابة على أربعة أسئلة جوهرية تساعد المهتمين بتعليم المهارات على مواكبة التغييرات ومتابعة جديد الحلول والتجارب العالمية. إن مستهدفات التعليم والسياسات التعليمية العالمية تنبثق من عدد من الجهات العالمية ومن أهمها اليونسكو والبنك الدولي ومنتدى الاقتصاد العالمي ومنظمة الOECD من خلال هذه الجهات والمنظمات تمت صياغة مستهدفات التعليم ضمن اهداف التنمية المستدامة (الهدف الرابع SDG4 ) لذلك لابد لأي مهتم بمجال التعليم والمهارات أن يكون على اطلاع ومعرفة بالبرامج والمستهدفات التي تقدمها هذه الجهات لأنها تختصر علينا الكثير من الوقت من خلال ما تشاركه من معلومات وتوصيات وتجارب. وكذلك عندما نقدم حلول لمشكلاتنا فالحلول التي نبحث عنها يجب أن تكون في إطار المستهدفات العالمية بحيث يمكننا مشاركتها ونشرها على مستوى العالم.

السؤال الأول: لماذا يصعب تعليم المهارات الناعمة في  المدارس والجامعات بشكلها الحالي؟

منذ اكثر من 120 عام عندما بدأ التعليم يأخذ شكله الحالي اعتمد قياس نتائج التعليم على الاختبارات وتذكر المعلومات. فأصبح هدف الطالب الحصول على أعلى درجة لينتقل للمستوى الذي يليه وبالتالي أصبحت الاختبارات هي مقياس نجاح العملية التعليمية بالنسبة للطلاب وأولياء الأمور وحتى الجهات التعليمية. هذه الطريقة التي لازلنا نعيشها لليوم لا يمكن تطبيقها على المهارات التي نريد تعليمها للطلاب مثل القيادة أو التفكير الناقد أو الذكاء العاطفي، فقياس اتقان هذه المهارات لا يمكن أن يتم من خلال اختبار على ورقة، وبالتالي يصعب على المؤسسات التعليمية التقليدية أن تجعلها ضمن العملية التعليمية بشكل فعال وستحتاج لوقت طويل لتغيير هذا النموذج.

السؤال الثاني: ماهي نماذج التعليم الموصى بها  في المؤسسات والجهات التعليمية التي تستهدف المهارات؟

تنطلق أغلب النماذج المقدمة من مبدأ يعرف بالتعليم النشط (Active Learning) والذي تتفرع منه نظرية تعليمية تعرف بالتعليم الظرفي (Situated learning) توضح هذه النظرية أنه لا يجب التفرقة بين المعرفة والممارسة، باعتبار أن المعرفة مرتبطة ببيئة العمل المنشود والسياقات والتفاعلات المرتبطة بهذا العمل. لذلك نجد تركيز على تعليم المهارات الناعمة ضمن مشاريع وحالات تشبه الواقع تعرف ب Project-based, Case-Based and  Scenario-based learning فتعليم مهارات التفكير الناقد أو القيادة أو التواصل يكون جزء منها معرفي ولكن الجزء الأكبر والأهم هو التطبيقي.

السؤال الثالث: كيف استطاعت بعض المؤسسات العالمية النجاح في دمج تعليم وتطبيق المهارات لطلابها؟

كانت المشكلة الدائمة هو  إيجاد طريقة للتأكد من اتقان الطلاب للمهارات اللازمة. وقد برزت العديد من الجهات والمؤسسات ومن أبرزها منظمة Skills USA في صياغة مشاريع لتطوير المهارات اللازمة ومن ثم عمل منصة سجل الاتقان الالكتروني  Mastery Transcript Project  بحيث يستطيع الطالب أو المتدرب تسجيل المهارة التي اتقنها وارفاق الشواهد على ذلك ليكون لديه ما يشبه صفحة  Portfolio مدرج فيها المهارات في هذا الفيديو نبذة عن مشروع  Mastery Transcript Project الذي يتم تطبيقه في العديد من المؤسسات التعليمية الأمريكية.

السؤال الرابع: ماهي المسارات الرئيسية في مجال تعليم المهارات التي يتم بحثها والعمل على تقديم حلول مبتكرة فيها؟

من خلال البحث ومتابعة المشاريع الريادية في هذا المجال يظهر بوضوح العمل على مسارين رئيسيين وهما:

المسار الأول: مسار يركز على حديثي التخرج أو الموظفين الراغبين في تحسين مهاراتهم أو تعلم مهارات جديدة، Up-skilling and re-skilling ظهرت أهمية هذا المسار بعد جائحة كرونا ويبرز فيه نموذج تدريب المهارات حسب طبيعة العمل المنشود Job’s driven skills  حيث يتم خلق بيئة تشبه العمل المراد تطبيقه وبعدها يتم ابتكار سيناريوهات ومواقف تشبه الحياة الحقيقية يتم من خلالها تدريب المهارات اللازمة ومثال على ذلك المشروع الذي استخدمت فيه شركة وولمارت الأمريكية الواقع الافتراضي في تدريب المهارات الناعمة.

المسار الثاني:  مسار يركز على الطلاب في مقاعد الدراسة بجميع المراحل التعليمية، هناك محاولات مميزة تسعى لدمج التعليم التقليدي بتعليم المهارات ومثال عليه School of Humanity وهي ثانوية عالمية اونلاين بالكامل تركز على تعليم المهارات وايضاً مثال مشروع Minerva المتخصص في تصميم برامج تعليمية تدمج المهارات لطلاب الجامعات باستخدام التعليم المدمج والواقع الافتراضي.

الحاجة الى معمل متخصص في الابتكار في تعليم وتدريب المهارات

 على الرغم من معرفتنا بالمهارات الأساسية التي يحتاجها جيل المستقبل، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في إيجاد حلول مبتكرة نستطيع من خلالها تعليم هذه المهارات وإيجاد طرق موثوقة لقياس اتقانها. يومياً تظهر العديد من الحلول و الابتكارات في مجال تعليم المهارات، فهو المجال الأكثر بحث واهتمام من قبل المؤسسات التعليمية والتدريبية على مستوى العالم. ولكن التحدي ما زال في بدايته، فالجميع لا يزال يجرب الحلول ويبحث عن النموذج الابداعي الذي يصل من خلاله لأفضل طريقة ممكنة لتعليم المهارات. ونحن بدورنا في المملكة العربية السعودية أصبحنا اكثر تحفز ورغبة في خوض هذا التحدي لذلك جاء الاقتراح أن يكون لدينا معمل متخصص في الابتكار في تعليم وتدريب المهارات Learning and Training Innovation Lab

أبرز مشاريع المعمل:

  • مراجعة النماذج العالمية وتقييمها وعقد شراكات مع الجهات المميزة لتطبيق ما يناسب في برامجنا المحلية.
  • اطلاق Mastery Transcript Project يمثل بوابة لرصد وتسجيل المهارات الناعمة للمستفيدين يتم فيه ربط المهارات المستهدفة والتعاون مع الجهات ذات العلاقة ليكون بمثابة مرجع موثوق للمهارات.
  • صياغة مبادرات تعاون مع الجهات ذات العلاقة لتدريب المهارات الناعمة حسب طبيعة العمل  Job’s driven skills
  • تحفيز البحث والابتكار في تقديم نماذج إبداعية في مجال تعليم المهارات Soft skills innovation fund.

إن اقتراح هذا المشروع بمسمى معمل (Lab) أسوة بالمؤسسات والمراكز العالمية يحقق الطبيعة التجريبية الابتكارية للمعامل وأيضاً يأخذ على عاتقه تحويل الأفكار والنظريات التعليمية الى برامج تطبيقية. هذا النوع من المشاريع سيساعد على الانطلاق في عدة جهات في نفس الوقت، فمن خلاله نستطيع القيام بالبحث والتطوير وإنشاء برامج وتجريب تقنيات وأفكار جديدة. وعلى طريقة مراكز الابحاث والمعامل العلمية، سيكون مركز لدعم مشاريع تطبيقية وبحثية في مجال تعليم المهارات وسيكون نافذة الاتصال مع المجتمع المحلي واحتياجاته ومع المجتمع العالمي وأحدث ما تم التوصل اليه في مجال تعليم المهارات.

 

الابتكار في الجامعات السعودية: النماذج الحالية والنموذج المفقود!

 قبل حوالي سنتين ونصف كتبت مقالة عنوانها (لماذا يجب على الجامعات التركيز على دعم بيئة ريادة الأعمال دون أن تأخذ دور القيادة؟). ذكرت  في تلك المراجعة التحليلية أهم نقاط القوة والضعف التي يراها الخبراء والمختصون في مفهوم الريادة والابتكار في الجامعات. في هذه المقالة والتي أعتبرها امتداد للمقالة السابقة، وبعد وقت كافٍ من المتابعة والرصد لمراكز الابتكار وريادة الأعمال في الجامعات السعودية، وجدت ثلاثة  أنواع من مراكز الابتكار في جامعاتنا، في هذا المقال سأذكر النماذج الثلاثة الأكثر شيوعا مع ذكر مثال على كل نوع ثم سأتطرق للنوع الرابع الذي لم يوجد لدينا بعد ولماذا أعتقد أنه نوع مختلف و يجب تبنيه!

النوع الأول: مراكز ريادة الأعمال:

في هذا النوع، وهو الأكثر انتشار، تدور فكرة الابتكار حول مفهوم ريادة الأعمال بشكل رئيسي، نجد في هذا النموذج أن المركز يتحدث لغة البزنس ويشجع على بدء شركات ناشئة. في هذه المراكز تكون لغة إدارة الأعمال وأدبياتها هي المسيطرة، فيكون الحديث للطلاب وغالباً طلاب البكالوريوس عن أفكار تجارية يحتاجها سوق العمل. رسالة هذا النوع من المراكز أنك ستأتي أيها الطالب بفكرة تجارية وسنساعدك في تحويلها لشركة ناشئة وستدعمك الجامعة في ذلك مقابل أن يكون لها نصيب من هذا الاستثمار.

هل نجح هذا النموذج لدينا؟ وحتى لا نكون عاطفيين أو نتسرع بالحكم دعونا ننظر كيف يقيس الغرب وتحديداً في أمريكا نجاح هذا النوع من المراكز، إنهم يقيسونه بعدد الشركات الناشئة التي خرجت من رحم هذه المراكز  spin off companies ومدى نجاحها واستمراريتها، لذلك كي تعرف هل نجح مركز الابتكار في الجامعة الفلانية عليك أن تسأل كم عدد الشركات الناشئة التي ساعد في إطلاقها؟ وإذا حاولنا تطبيق نفس السؤال على مراكز الابتكار من هذا النوع  فإنك ستجد أن أغلب الجامعات تفشل في تجاوز هذا الاختبار ويظل المركز يحاول ويحاول ولكنه يصطدم بمعوقات وعثرات أكبر منه.

هل يوجد لدينا مثال ناجح لهذا النوع من المراكز؟ الجواب نعم، هنا يبدو أن الاستثناء هو القاعدة، لقد قطعت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) شوط كبير في الابتكار وأطلق مركز الابتكار في كاوست عدد من الشركات الناشئة ولازال المركز مؤهل لعمل المزيد، لماذا؟ لأن البيئة الريادية هناك (ecosystem) تعتبر الأنضج بين جميع جامعات المملكة، فإذا كانت جامعتك لديها بيئة مشابهة أو قريبة من بيئة كاوست فألف مبروك اختيارك لهذا النموذج، لأنك غالباً ستحقق بعض النجاحات اذا تم توظيف الإمكانات والقدرات بشكل مناسب.

النوع الثاني وهو مركز الابتكار المتحالف مع الشركات الصناعية:

 في هذا النوع يستفيد مركز الابتكار من وجوده المكاني بالقرب من شركة ذات إمكانيات كبيرة فيكيف نفسه ليتلاءم مع توجهات هذه الشركة ويحقق أهداف المركز. مثال على ذلك مركز الابتكار في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن والشراكة التي يعقدها مع شركات بحجم أرامكو، لذلك لا نستغرب اذا وجدنا أن عدد براءات الاختراع التي تنتجها جامعة الملك فهد للبترول والمعادن يفوق ما تنتجه الدول العربية! فمنذ عام ٢٠٠٦ ركزت الجامعة على هذا النوع من البراءات واستطاعت أن تنافس دول في عدد ونوعية براءات الاختراع المنبثقة عن شراكات مع القطاع الصناعي. إن ما يعرف في عالم الريادة بالميزة الغير قابلة للمنافسة (uncompetitive advantage) والتي تحظى بها الجامعة تمكنها من ذلك. اذاً هو  ذكاء ووعي من إدارة الجامعة أن كيفت نفسها مع هذا النوع من الشراكات وركزت على نوع معين من الابتكارات يتوافق مع طبيعة الجامعة وسوقها المستهدف.

النوع الثالث هو مراكز الابتكار التي ركزت على براءات الاختراع الجامعية:

في هذا النوع تجد أن الجامعة حريصة على تحويل الأفكار والأبحاث لاختراعات يمكن الحصول فيها على حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع، بغض النظر عن ما يحدث لهذه البراءة مستقبلاً، تجد أن هذه المراكز نجحت في انتاج عدد لا بأس به من براءات الاختراع وتحديداً المسجلة في المكتب الأمريكي، هذا النوع من التركيز له ميزات تنافسية بحيث يصبح كل بحث جيد أو فكرة جيدة  قابلة للتحويل لبراءة اختراع بمجرد وجود الميزانية المتاحة! فكما يعلم أي مهتم ببراءات الاختراع، يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية مكاتب محاماة متخصصة للمساعدة في صياغة الفكرة وتسجيلها قانونياً في مكتب براءات الاختراع الأمريكية. هذا النوع من المراكز نجد مثاله في جامعات عريقة مثل جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز، يبقى امام هذا النوع من المراكز تحدي آخر وهو تسويق البراءات للمهتمين وتحويلها لمنتجات صناعية ذات قيمة تجارية، وهذا تحدي ضخم جداً يحتاج لسنوات من العمل.  فإذا كانت الجامعة لديك تتميز بوجود نخبة من الباحثين المميزين وكذلك يوجد ميزانية جيدة  لتحويل ابحاثهم وافكارهم لبراءات اختراع، فهذا النموذج  يرسم لك طريق واضحة لنوع محدد من الابتكارات وهو براءات الاختراع.

ولكن ماذا لو لم تكن قريب من أرامكو مثل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن؟ ولا يوجد لديك موارد  مثل جامعتي الملك سعود والملك عبدالعزيز؟ ولا تتمتع ببيئة ابتكارية استثنائية مثل جامعة كاوست؟ هذا يقودنا لنوع آخر من مراكز الابتكار لم نره بعد في جامعاتنا وهو ما يعرف بالابتكار  الجامعي Innovative University

النوع الرابع: مراكز الابتكار الجامعي Innovative University

 تركز هذه الجامعات على تطوير كل ماله علاقة مباشرة بمهام الجامعة الرئيسية وهي التعليم والبحث وخدمة المجتمع. انتبهت هذه الجامعات أنها تحتاج لأن تبتكر لكي تجذب الطلاب اليها، وتحتاج أن تبتكر لتؤثر في مجتمعها وتحتاج أن تبتكر لترفع قيمة أصولها وتعزز مواردها وتحتاج أن تبتكر لتستفيد من أساتذتها والعاملين فيها. عندما نجحت هذه الجامعات في ابتكار طرق حديثة للتعليم وطرق مبتكرة لدمج الطلاب وتحسين مستوياتهم و رفع مهاراتهم استطاعت بعد ذلك أن تسوق لبرامجها التعليمية والبحثية والخدمية وتتميز فيها. نتيجة لكل ذلك، تكون لديها منظومة إبداعية متكاملة أصبحت بيئة جاذبة لأفضل الطلاب وأفضل الأساتذة، وبالتالي خلقت بيئة محفزة للابتكار! وفقط عندما استطاعت أن تخلق بيئة محفزة للابتكار، انطلقت في كل المجالات، فخرجت منها شركات ريادية، وحصدت الاختراعات، وتبنت ممارسات ذكية وجديدة في التعليم وفي دعم الأبحاث وخدمة المجتمع جعلها مستعدة للمستقبل وللتغيرات التي يشهدها قطاع التعليم الجامعي.

 من الأمثلة على هذا النوع، جامعة ولاية اريزونا، استطاعت هذه الجامعة أن تفوز بأكثر جامعة ابتكارية لسبع سنوات متتالية، ليس لأنها أنتجت العدد الأكبر من براءات الاختراع، وإنما لأنها غيرت التجربة الجامعية على جميع الأصعدة، عندما سُئل رئيس الجامعة، ماذا يعني الابتكار في جامعة ولاية اريزونا، كان جوابه ” الابتكار جزء من DNA جامعة اريزونا، نحن متشوقين دائماً لدعم الأفكار الجديدة في مجالات التدريس والأبحاث والشراكة المجتمعية” فبمجرد تصفحك لموقع الجامعة ستعرف أنهم كسروا  الكثير من القيود لدرجة أنهم أطلقوا على أنفسهم لقب (الجامعة الأمريكية الجديدة).

أما جامعة ستانفورد العريقة، فتعتبر من أوائل الجامعات التي اهتمت بدراسة وتعليم الابتكار  ويعتبرون رواد ما يعرف بالتفكير  التصميمي Design Thinking  حيث تقوم الجامعة بتدريس طلابها وأساتذتها، بغض النظر عن التخصص، طريقة التفكير التصميمي والذي أصبح مدخل علمي لطريقة تفكير ابتكارية تساعد على فهم تجربة المستفيد وتقديم الحلول، سواء كان هذا المستفيد طالب في كلياتها، أو باحث في معاملها، أو مريض في مستشفياتها، فإنه حتماً سيجد تجربة مختلفة بدأت فكرتها من معمل الأفكار الابتكارية في الجامعة.

ماذا تحتاج الجامعة لتشغيل هذا النوع من مراكز الابتكار ؟

تحتاج لفريق عمل يفهم اساسيات الابتكار والابداع ويرسم استراتيجية الابتكار بطريقة تطبق أصول الممارسات الابتكارية والابداعية وينقل أفضل الممارسات العالمية. تحتاج لمركز ابتكار يتصرف كأنه شركة ناشئة داخل الجامعة، يحلل ويدرس مناطق الألم في الجامعة، يفهم تجربة المستخدم فيها ويجرب حلول ابتكارية وكأنه يجرب منتجات في شركة ناشئة فيعدل ويغير ويفشل وينجح تماماً مثل أي شركة ناشئة ترحب بالاستكشاف والتجربة.

إن أي جامعة لن تنجح في خلق “الابتكار الجامعي” ما دامت تؤدي مهام الجامعة الرئيسية بطريقة تقليدية، فالبيروقراطية والقيود التي يعيشها الواقع الجامعي تقتل بيئة الابتكار! الابتكار منتج فكري ابداعي، والمنتجات الفكرية تحتاج أن يتم تبنيها في بيئة تسمح بالخطأ وتشجع على تجربة المجهول.

ختاماً، وللقراءة أكثر عن الابتكار في الجامعات، أحيل القارئ لعراب الابتكار وصاحب أشهر كتب الابتكار The Innovator’s Dilemma بروفسور إدارة الأعمال بجامعة هارفارد Clayton Christensen  في كتابه المختص بالابتكار في الجامعات The Innovative University: Changing the DNA of Higher Education from the Inside Out

على الجامعات التركيز على دعم بيئة ريادة الأعمال دون أن تأخذ دور القيادة…لماذا؟

مدخل:

ادواردو سافرين ( شريك مؤسس لفيسبوك) : مارك، هذه رسالة من محامي جامعة هارفارد  قد تجعلنا نواجه مشاكل قانونية!

مارك زوكربيرج ( مؤسس ومالك فيسبوك): أعرف…فالمحامي عضو في مجلس الجامعة!

ادواردو سافرين: لابد أن لديهم شيء حقيقي  قانوني يستندون عليه!

مارك زوكربيرج: الشيء الحقيقي هو أن مشروع الفيسبوك ناجح واصبح منتشر، هؤلاء السخيفين  في جامعة هارفارد يدعون أنني استخدمت الأكواد المشفرة للجامعة، وهذا بالطبع غير صحيح! إسمع، عندما يقوم شخص بصنع كرسي رائع فليس من المفروض أن يشارك أمواله مع كل من  سبقه في عالم صناعة الكراسي، كل مافي الأمر انهم جاؤا لي بفكرة  مشروع وأنا جئت بفكرة افضل وهي الفيسبوك، لذلك ليس لهم الحق في ملكية أي شيء!

كان هذا حوار مقتبس من فيلم Social Network والذي يحكي القصة الحقيقية لموقع فيسبوك، هذه الجزئية من الحوار تسلط الضوء على علاقة الجامعات بالشركات الناشئة ودعم الابداع والابتكار، فهذه جامعة هارفارد بكل انفتاحها وتاريخها مع دعم المعرفة والابتكار تلاحق احد طلابها في المحاكم لتأخذ منه ملكية ابتكاره وتحاصره بجيش من المحاميين والمتنفذين ولكنها تفشل. لم يكمل مارك زوكربيرج دراسته في هارفارد وانسحب من الجامعة، لكنهم دعوه قبل سنتين وأعطوه شهادة الدكتوراه الفخرية من كلية القانون ( في الصورة أعلاه  تعليق مارك زوكربيرج  يخبر والدته انه اوفى بوعده وحصل على شهادة هارفارد). السؤال،  هل كان سينجح مشروع الفيسبوك لو كسبت جامعة هارفارد قضيتها ضد مارك زوكربيرج؟ بالتأكيد لا، فالجامعات كمؤسسات عتيقة ليس لديها القدرة على الابداع كما يحدث في الشركات الناشئة، من هذا المدخل سأبدأ بسرد بعض الأفكار عن طبيعة العلاقة  بين الجامعات وريادة الأعمال والابتكار.

ذكرت في تدوينه سابقة اننا متفائلين بالهيكلة الجديدة لوزارة التعليم التي انشأت وكالة مستقلة لدعم البحث والابتكار وريادة الأعمال بحيث تضع بشكل واضح أحد أهدافها: تشجيع اقتصاد المعرفة وتحويل الأبحاث والابتكارات الى منتجات اقتصادية تساهم في تحقيق رؤية 2030 ، أظن أنه مستهدف عظيم ويصب في صميم الرؤية، ولكن السؤال المهم هو كيف تستطيع الجامعات المساهمة في دعم الاقتصاد المعرفي والمساهمة في تطوير منتجات وخدمات ذات قيمة اقتصادية؟

للجواب على هذا السؤال نحتاج أن نسلط الضوء على تجربة عالمية ناجحة ونحاول أن نفهم كيف تم ذلك. هناك العديد من الجامعات حول العالم استطاعت ان تنجح في تحفيز ريادة الاعمال والابتكار وساهمت قاعاتها ومعاملها في النهوض بعالم الشركات الناشئة وريادة الأعمال في مجتمعاتها. لكني سأختار جامعة واحدة وذلك أن أحد رواد الأعمال المخضرمين (براد فيلد) عمل معها وكتب عنها بشكل متفرق في ثلاثة كتب تعتبر من الكتب المهمة في عالم ريادة الأعمال والشركات الناشئة، أعني هنا جامعة كولورادو بولدر في الولايات المتحدة الأمريكية. استطاعت هذا الجامعة ان تنهض بمحيطها ومدينتها التي لا يتجاوز سكانها ١٠٠ الف نسمة وجعلت منهم احد اكثر المجتمعات المعرفية ابداع في عالم التكنولوجيا وريادة الأعمال (اذا استثنينا طبعاً اللاعبين الكبار جدا في وادي السيلكون وفي بوسطن).

في كتابه الأشهر Startup Communities: Building An Entrepreneurial Ecosystem In Your City  يتحدث براد فيلد عن جملة من الصفات/العيوب التي تعتبر جزء من ثقافة المؤسسات الحكومية والجامعات والتي ورثتها وشكلت هويتها عبر مئات السنين. فهم هذه الصفات وإدراكها سيساعد الجامعات والمهتمين بالابتكار وريادة الأعمال من منسوبيها على فهم الدور الذي يقع على عاتقهم وأيضاً ستساعد في التركيز وعدم ممارسة أدوار ليست من صميم العمل الجامعي ولا تتناسب مع هوية المنشغلين بالبحث والتعليم. أيضا معرفة وتحليل هذه الصفات سيساعد المجتمع الريادي سواء كانوا من خارج الجامعة أو  من المنتسبين للجامعة في رسم حدود العلاقة التي يجب أن تكون بينهم وبين الجامعات.

قبل البدء بسرد الصفات لابد من التذكير بمفاهيم رئيسة يشير لها الكاتب وهي ماذا نعني برائد الاعمال وماهو الفرق بين مجتمع القياديين Leaders  ومجتمع المغذين Feeders

يذكر براد فيلد أن رائد الأعمال هو الشخص الذي ينشئ أو أنشأ او شارك في إنشاء شركة قابلة للنمو. يمكن أن يكون هذا الشخص طالب أو باحث أو خريج أو شخص على رأس عمل ويفكر جدياً في ترك عمله وبدء مشروعه الخاص. في المقابل هناك عضو هيئة التدريس أو الباحث في الجامعة والذي طالما أنه موظف في الجامعة ويأخذ راتب على وظيفته فهو في حينها ليس رائد اعمال (قائد) وانما داعم ومحفز ومشجع للعمل الريادي وربما مبتكر للكثير من الأفكار الريادية، ولكن بما أنه لم يتفرغ للعمل على فكرته بشكل كافي يستطيع من خلالها أن ينشئ شركته الخاصة ويبيع منتج أو خدمة فهو لا يرقى لأن يكون رائد اعمال.

أيضا يقسم براد فيلد  مجتمع ريادة الأعمال والشركات الناشئة الى قسمين،  قادة Leaders  و مغذين Feeders القائد في مجتمع ريادة الأعمال والشركات الناشئة يجب ان يكون رائد اعمال حقيقي، هذا القائد لديه مواصفات رائد الأعمال ومنها: الجرأة، الإبداع، الشغف والالتزام، القدرة على تقبل الفشل وإعادة المحاولة، التعلم والتدرب، التفرغ بشكل كامل للعمل على فكرته، وغيرها من المواصفات التي يتميز بها الأشخاص الرياديين. فكما يقول براد فيلد في كتابه Startup Opportunities، اذا قابلت احد يصف نفسه بأنه رائد اعمال عليك أن تطلب منه نبذة عن شركته وماذا قدم؟ اذا كان ذلك الشخص مجرد محاضر أو مدرب يخبر الآخرين ماذا يجب عليهم فعله دون أن يكون له شركته الخاصة فهو ليس رائد أعمال!

على الجانب الأخر هناك المغذين أو الFeeders  وهنا يقصد بهم  منسوبي المؤسسات الحكومية والجامعات  والاستشاريين المتخصصين ومقدمي الخدمات المحاسبية والقانونية وخلافه، هؤلاء دورهم دعم ريادي الأعمال واكمال النقص الذي لديهم ولكن ليس لهم الحق بأي حال من الأحوال انتزاع الدور القيادي او فرض شروط تجبر رائد الأعمال على تطبيق افكارهم. إنالمشاريع الريادية تتميز بطبيعة ثورية تخالف المألوف بينما نجد أن أغلب الذين ينتمون لمجتمع  المغذين أو ال Feeders  هم غالباً اشخاص جيدين فيما يقومون به ولكنهم مقاومين لأي شيء يغير المألوف الذي تعودوا عليه، هذا الاختلاف الجوهري يبعدهم عن مفهوم ريادة الأعمال!

ماهي الصفات التي تشترك بها الجامعات والمؤسسات الحكومية والتي يمكن أن تتحول لعوائق اذا ما ارادت الجامعات أن تأخذ  دور القيادة في عالم ريادة الأعمال؟

١- احترام التسلسل الإداري، يعتبر احترام التسلسل الإداري جزء أصيل في الجامعات فعضو هيئة التدريس يتحرك داخل اطار قسمه وبدوره رئيس القسم يحتاج أن يناقش المقترحات في مجلس القسم ثم العرض في مجلس الكلية وهكذا، هذه الصلابة الإدارية ليست محفزة للأفكار الإبداعية، العمل الريادي الابداعي لا يحتمل هذا الروتين، هو يعرف شيء واحد، ماذا احتاج ومن يستطيع مساعدتي؟ فتعبئة النماذج وانتظار توقيعها وموافقة صاحب الصلاحية في كل خطوة يقتل العمل الريادي ويدخل المشروع في دوامة البيروقراطية التي تعتبر من صميم عمل الجامعات والمؤسسات الحكومية ولكنها من اكبر اعداء المشاريع الناشئة وريادة الاعمال.

٢-(لا يوجد تمويل كافي) في الجامعات والمؤسسات الحكومية دائماً يكون هذا  العذر جاهز. فطبيعة الجامعات انها تعتمد على الدعم المباشر وتراعي الاجراءات المالية والميزانية المعدة مسبقا مما يجعل اي مشروع غير مدرج منذ وقت كافي من الصعب أن يتم الموافقة عليه مهما كانت تكلفته منخفضة، بينما المشروع الريادي، حتى لو كان في طور الفكرة الأولية، يستطيع فريق العمل ان يتحرك ويحصل على دعم مباشر من المهتمين كشركاء في الاستثمار بل وفي كثير من الأحيان يبدعون في الحصول على مصادر تمويل دون التعذر بعدم وجود الدعم الكافي (الحصول على مصدر تمويل هو اختبار حقيقي لجودة المشروع).

٣- العمل الريادي يحتاج التزام طويل وإيمان بالفكرة…اذا لم تكن الفكرة فكرتك والمشروع لك لن يكون هناك التزام حقيقي أو اهتمام بالنتائج. لذلك تجد من الخطأ الشائع أن يتم وضع حقيبة من المشاريع الريادية تحت إدارة موظف مسؤول يرجع له أصحاب المشاريع في كل خطوة للموافقة على الخطوة التالية.

٤- في الجامعات والمؤسسات الحكومية هناك دائما توجس وخوف من القادمين الجدد، من الآخر المختلف، إن عقلية الموظف الحكومي تجعله يفكر بطريقة براغماتية،  ماذا لي وماذا لهم، ماهي حدودي وماهي حدودهم، هل سيؤثر هذا على منصبي او على صورتي امام رؤسائي ومرؤوسي، لمن سينسب النجاح، من سيتحمل الفشل؟ في المقابل تجد ان الريادي الحقيقي حساباته اكثر بساطة ووضوح، فهو يرحب بأي قادم جديد لديه اضافة ولديه ما يقدمه للشركة الناشئة، لن يقبل ان يعمل مع أحد لا يقدم له فائدة حقيقية ولن يتردد في اشراك شخص يكمل النواقص لديه.

٥-مبدأ التحكم والسيطرة صفة شائعة في مجتمع  المغذين او الfeeders ، فكما يقول براد فيلد، الموظف التقليدي في الغالب يحتاج لفرض النفوذ والسيطرة على مجال ما قبل ان يبذل فيه جهد كبير، هذه الثقافة الإدارية التي تجعل صاحب المنصب الأعلى دائما اقوى ليست مشجعة للعمل الريادي ولا تصلح، فالعمل الحكومي ينطلق من القمة للقاع، عكس المشروع الريادي الذي يتحرك من القاع للقمة ويتبع معادلة بسيطة وواضحة: من يعمل اكثر يحصل على الحصة الأكبر!

٦-في الغالب تجد عضو هيئة التدريس لديه الخوف من الفشل وعدم المخاطرة بأخذ خطوات جريئة،  فلديه صورة يريد المحافظة عليها امام الزملاء ولديه حسابات ادارية مختلفة تجعله في الاغلب محافظ وغير مبادر. بينما يبدأ العمل الريادي من منطلق المبادرة والمغامرة التي تتساوى فيها فرص النجاح والفشل، واذا حدث الفشل فالريادي متفهم لذلك ولديه القدرة على التعلم وبدء شيء آخر!

٧- في مجتمع المغذين أو الFeeders لا يتم الاعتراف بالفشل بسهولة ويتم تحويره وتحوير أسبابه لأن تبعاته ستلاحق المسؤول وقد تؤثر على مستقبله الوظيفي، بينما في مجتمع الرياديين يتم ادراك الفشل بسرعة ويتم التعامل معه كنتيجة محتملة تستحق التعلم منهاا، لذلك تجد أن مجتمع الرياديين يعتبرون الفشل ضرورة لابد منها للتعلم.

هذه الصفات/ العيوب السبعة تؤكد انه من الخطأ ان تقود الجامعات مجتمع ريادة الاعمال والشركات الناشئة، ولكن ايضا هذا لا يعني انهم ليسوا مهمين في تنمية مجتمع ريادة الاعمال، فقد اثبتت التجارب والدراسات أن للجامعات دور مهم في  إنجاح أغلب الشركات الناشئة اذا مارست الدور المطلوب منها دون القفز لأدوار ليست من صميم عملها، فكيف يكون ذلك؟

كيف تساهم الجامعات في دعم الابتكار وريادة الأعمال؟

دعونا نعطي مثال لمراحل تطور ونمو  مشروع ريادي في مجال طبي مثلاً

١-مشكلة تحتاج لحل-٢-فكرة مبدئية للحل-٣- تكوين الفريق لعمل البحث وتجربة -٤- نتيجة ايجابية واثبات للاكتشاف العلمي-٥- تسجيل للملكية الفكرية – ٦- عمل النموذج الأولى -٧- تسويق المنتج  لدى شركاء محتملين-٨- اطلاق المنتج من خلال مسرعة اعمال، ٨-٩-١٠ ..الخ – منتج نهائي، شركة ناشئة.

كما نلاحظ تمر المشاريع الريادية والشركات الناشئة بثلاث مراحل رئيسية اذا جاز التعبير وهي:

١- المرحلة الأولى: مرحلة نشر ثقافة العمل الريادي وفكرة انشاء الشركات الناشئة لدى جمهور الرياديين.

٢- المرحلة الثانية: مرحلة إيجاد الأفكار و تطويرها ووضعها في الإطار الصحيح وتحديد نموذج العمل اللازم لتنفيذها ومن ثم تسجيل الملكية الفكرية ثم عمل النموذج الأولي.

٣-المرحلة الثالثة: مرحلة بداية الشركات الناشئة وما يتبعها من تعاون ودعم من قبل حاضنات ومسرعات الأعمال.

يتضح من هذا التقسيم أين تكمن قوة الجامعات، فالخطوات من ١ الى ٦ ( المرحلتين الأولى والثانية) يمكن تطبيقها بالكامل في حرم الجامعة وهذا ما يجب أن تركز عليه أغلب جامعاتنا في الوقت الراهن، لكن الذي سيكون من الصعب على أغلب الجامعات عمله بمفردها هو محاولة أن تقوم بدور الحاضنات والمسرعات للشركات الناشئة، حينها تحتاج أن تتعلم من القطاع الخاص كيف يتم ذلك بالإضافة لحاجتها لكثير من المرونة والرشاقة والجرأة للقيام بهذا الدور.

١- المرحلة الأولى:  مرحلة نشر ثقافة العمل الريادي وفكرة إنشاء الشركات الناشئة لدى جمهور الرياديين

ان ثقافة العمل الريادي وفكرة انشاء الشركات الناشئة تم تقديمها بطريقة مربكة نوعا ما في جامعاتنا، فأصبحت الصورة الذهنية العامة أن العمل الريادي ومفهوم ريادة الأعمال هو شيء يخص طلاب البزنس أو المهتمين بالتقنية مثلاً. هذا الخلل في الفهم جعل المهتمين بتخصصات أخرى مثل التخصصات الصحية والعلوم والفنون لا يعتبرون أنفسهم معنيين بكل ما يدور في هذا العالم الغريب. وهنا يجب العمل على نشر ثقافة ريادة الأعمال بين جميع منسوبي الجامعة وأن (هناك فرصة حقيقية لكل شخص في كل تخصص اذا ما كان لديه فكرة إبداعية أن يكون رائد أعمال وأن يشارك في تأسيس شركة خاصة في يوم ما) لا يجب اشغال الطلاب بالأمور الجانبية وتعقيدات الأمور الفنية والإدارية والقانونية والمحاسبية وخلافه، كل ما يحتاجون أن يعملوا عليه في هذه المرحلة هو البحث عن أفكار جديدة لحل مشاكل حقيقية وتكوين فرق عمل تشترك معهم في هذا الاهتمام. يجب أن نساهم في زرع سؤال بسيط في ذهن الطالب منذ بداية مرحلة الدراسة الجامعية وهو : ماهي المشكلة التي سأبذل أغلب وقتي في حلها؟ اذا استطعنا أن نجعل هذا السؤال عالق في أذهان الطلاب نكون أنجزنا المهمة الأصعب وهي نشر ثقافة الابداع والابتكار والتي تبدأ بسؤال.

تعتبر الجامعات مخزن ومستودع الأفكار سواء كانت أفكار بحثية أو ابتكارات أو مشاريع وذلك لأنها تجمع اكبر عدد من العقول المختلفة في مكان واحد. الذي تحتاج أن تبدع فيه الجامعات هو ايجاد آلية تجعل من هذه العقول مشاركة افكارها في بيئة مشجعة وداعمة. في المجتمعات الغربية تجد الجامعات منفتحة على المجتمع من خلال اقامة فعاليات تشجع خريجي الجامعة ان يعودوا لها، وتشجع الطلاب ان يزوروا اماكن مختلفة في الجامعة، وتشجع السكان في مدينة الجامعة ان يأتوا بشكل دوري مرة لحضور حفل ومرة لحضور مباراة واخرى لحضور ورشة عمل وهكذا، هذا التواصل الإنساني ينمي العلاقات بين افراد المجتمع ومن ثم تبدأ العقول بتشارك افكارها. احتاج أن اعرفك وأعرف ماهي مهاراتك قبل أن اتحدث معك عن مشروعي القادم! لن يحدث هذا التواصل مالم يتم العمل على تحفيزه في بيئة مشجعة، ولا اظن ان هناك أفضل من مرافق الجامعة والمراكز التي تجمع أصحاب التخصصات المختلفة في فعاليات هدفها الأول والأخير ان يتعرف رياديي المستقبل على بعضهم. هذه البيئة المشجعة لن يتم خلقها وتكوينها في أسبوع أو شهر، وإنما هي ثقافة تحتاج لجهد ووقت ليتم زرعها في رواد المستقبل، وأعني ثقافة الانفتاح الفكري والجرأة على بدء علاقات مع الآخر المختلف والبحث عن فرص وأجوبة لأسئلة مشتركة.

٢- المرحلة الثانية: مرحلة إيجاد الأفكار و تطويرها ووضعها في الإطار الصحيح وتحديد نموذج العمل اللازم لتنفيذها وصولاً الى مرحلة عمل النموذج الأولي.

إن تحفيز الأفكار وتطويرها والحث على التفكير الإبداعي وتعليم اصول التفكير المنطقي هو غاية ومراد التعليم العالي، أو هكذا يجب أن يكون، فالجامعات مسؤولة عن إيجاد اليات وطرق لتحفيز الفكر الإبداعي بين منسوبيها، يمكن ذلك من خلال اطلاق برامج  تحفيز للمنافسات الإبداعية بشكل عمودي بين أصحاب التخصص وبشكل افقي بين التخصصات المختلفة، اطلاق منافسات على مستوى الكليات وعلى مستوى الجامعات. أيضا يجب التكثيف من الفعاليات المشجعة مثل عقد ورش عمل متخصصة، دعوة الرياديين لإقامة محاضرات وحوارات مع الطلاب، عرض تجارب وأمثلة محلية وعالمية ومناقشتها في قاعات الدراسة وفي الندوات المفتوحة، ايضاً تجهيز واتاحة المعامل  للجميع لتجربة أفكارهم ومناقشة المختصين والخبراء في التخصص المعني. هذا الدور الداعم والمحفز للجامعة يهدف لأمرين: أن يتعرف الرياديين على بعضهم، وأن ينتجوا أفكار إبداعية. إذا نجحت الجامعة في تحقيق هذين الهدفين تكون نجحت في دورها الرئيسي كمؤسسة معنية بالإبداع والبحث والابتكار.

٣-المرحلة الثالثة: مرحلة تأسيس الشركات الناشئة وما يتبعها من تعاون ودعم من قبل حاضنات ومسرعات الأعمال.

اعتقد أن هذه المرحلة سابقة لأوانها في أغلب جامعاتنا، ولكن اذا ارادت الجامعات أن تقوم بهذا الدور وتمارس دور حاضنات ومسرعات الأعمال فعليها أن تخرج من عباءتها الأكاديمية/الحكومية وذلك مثلاً عبر إنشاء شركات مستقلة تديرها عقليات وكفاءات ريادية لها تجارب وتجيد العمل بلغة القطاع الخاص. حينها تستطيع هذه (الشركات الجامعية) ممارسة الدور المعروف للحاضنات والمسرعات عبر تبني أفضل المشاريع والأفكار ودعم الرياديين ومساعدتهم على اطلاق شركاتهم الناشئة.

في موضوع الريادة والابتكار لا نستطيع أن نبدأ من حيث انتهى الاخرون، نحتاج أن نصعد السلم درجة درجة و نبدأ اولا بنشر ثقافة الابتكار والريادة ونتحدث بلغة الجيل القادم واهتماماته، لا يكفي ان تجمع عشرين طالب في قاعة وتخبرهم عن نجاح شركة اوبر وموقع فيسبوك ثم نوزع عليهم شهادات (رائد أعمال) ونتوقع منهم ان يفعلوا شيء عظيم في اليوم التالي! لن ننتج منتج ذو قيمة اقتصادية في غضون أشهر، لكننا اذا جعلنا اول الاهداف هو نشر ثقافة الابداع والابتكار وتحفيز الافكار الريادية والعمل على خلق مجتمع ريادي مبتكر، سنكون حينها،و بعد سنوات، جاهزين لتحويل هذه الافكار الى مشاريع ومنتجات ذات قيمة اقتصادية.

مقترح مبادرة لتطوير البحث والابتكار في كليات طب الأسنان بالمملكة

في أحد المشاهد الأسطورية من المسلسل الرائع Breaking Bad وبعد أن فقد والتر وايت أمواله يصاب بذهول ويصرخWhere is the money بعدها يدخل في موجة هيستيرية من البكاء والضحك وتبدأ الكاميرا في عمل زوم اوت يظهر معها والتر وايت ممدد على الأرض في لقطة تعكس حجم العجز والهزيمة التي حلت به! يتبادر الى ذهني هذا المشهد وأنا أقرأ التقارير اثناء الإعداد لهذه التدوينة، قد نشترك جميعاً مع مستر وايت في ردة فعله إذا علمنا ان حجم السوق الصناعي والتقني لمواد وأجهزة ومستهلكات طب الأسنان في العالم سيصل ل ٦٠٠ مليار ريال سنوياً لكننا الى الآن وللأسف لم نأخذ نصيبنا من هذه الكعكة الضخمة على الرغم من أننا نعرف Where is the money!

في دراسة أعدتها شركة بروكيير الأمريكية والمتخصصة في دراسة الأسواق العالمية في المجال الصحي، ذكر التقرير أن السوق الصناعي لمنتجات المواد والأجهزة في طب الأسنان يبلغ حوالي ٤٢٠ مليار ريال وسيصبح بعد خمس سنوات حوالي ٦٠٠ مليار ريال. لاحظ ان هذه قيمة السوق الصناعية وليست قيمة الخدمات، أي ان هذا المبلغ هو القيمة التي يتم انفاقها سنوياً على مستوى العالم لشراء مواد الحشوات والمعاجين وأجهزة الأشعة وادوات زراعة وتقويم الأسنان وخلافه من مواد وتقنيات. في هذه التدوينة سأشارك معكم بذرة لمبادرة ريادية اعتقد أنه حان الوقت لإطلاقها والعمل عليها تماشياً مع التطوير الذي حدث مؤخراً على مستوى وزارة التعليم.

لماذا يعتبر مجال طب الأسنان مختلف عن أي تخصص آخر وبالتالي يحتاج لتعامل (خاص) من ناحية البحث والابتكار والاستثمار؟

كما يعلم الكثير فطب الأسنان تخصص يتكئ على علوم ومعارف أساسية (كيمياء، فيزياء، أحياء..الخ) وعلوم تطبيقية ( هندسة، تصميم، كومبيوتر وغيره) هذا التنوع والغزارة ليست متوفرة في كثير من التخصصات، وبالتالي فأغلب المشاريع البحثية الجيدة في طب الأسنان يمكن ان تتحول لمنتجات – مثل مواد الحشوات والتركيبات والتقويم وزراعة الأسنان، أو تتحول لخدمة متقدمة تقنياً مثل أجهزة الكاد كام CAD/CAM وطباعة التركيبات والأسنان بتقنية ال3D ونحوها أو تتحول لفكرة تقنية مبتكرة في التشخيص والعلاج المبكر مثل تقنيات الكشف المبكر عن سرطان الفم وعن التسوس مما يساهم في توفير مئات الملايين. إن المشتغل بمجال طب الأسنان يتعامل بشكل مستمر مع مستجدات التقنية والصناعة في مجالات مختلفة مثل الأشعة المتطورة والليزر وصناعة البلاستيك والبوليمرز والنانومتيريلز والمعادن وغيرها، هذا الاحتكاك المباشر بين الطب والتقنية والصناعة يجعل من مجال طب الأسنان ملتقى خصب للبحث والتطوير القابل لتحويل الأفكار لمنتجات ذات جدوى اقتصادية.

إن البحث الجيد في مجال طب الأسنان يمكن أن يحقق العديد من المستهدفات التي تسعى لها الجامعات والتي تتسق مع مستهدفات رؤية ٢٠٣٠، فقد ينتج عن بحث واحد مميز ورقة علمية رصينة ومن ثم يتم تسجيله كبراءة اختراع تقود للابتكار الذي بدوره يضيف للاقتصاد المعرفي وأيضا في نفس الوقت يحقق خدمة طبية ترفع من جودة الحياة. هذا التنوع في تحقيق الكثير من المستهدفات من مشروع واحد يستحق ان يدعم بشكل يوازي حجم الفرص الكامنة فيه.

لماذا اذاً لم نتقدم كثيراً في تحويل الأبحاث في مجال طب الأسنان الى منتجات؟

خلال عامين عملت فيها مشرفاً على البحث والابتكار وايضاً وكيل للبحث العلمي بكلية طب الأسنان بجامعة جازان حاولت خلالها أن أجيب على هذا السؤال ولو بشكل جزئي، فعلى الرغم من أننا استطعنا في كلية طب الأسنان أن نكون من أكثر الكليات نشراً في مجلات ISI في الجامعة وكذلك استطعنا أن نحتل المركز الرابع في النشر العلمي بين كليات طب الأسنان ال٢٨ في المملكة الا أنني اعتقد أن ذلك لا يكفي أن نعتبر أنفسنا نجحنا بما فيه الكفاية، فكثير من الأبحاث الجيدة بقيت حبيسة الأدراج مثلها مثل أي بحث روتيني تم عمله من أجل الترقية. هذا الموت المحزن والمتكرر للكثير من الأبحاث في مجال طب الأسنان اظن أنه يعود لسببين مترابطين:

السبب الأول أننا في مجتمع طب الأسنان (وكذلك المجتمع الطبي) بعيدين عن مفاهيم بيئة الأعمال التجارية/الصناعية/التقنية ولا نفكر بالطرق المستخدمة في البزنس والتي تقيس جودة الفكرة وملائمتها للسوق قبل البدء بها، لو سألت الكثير من الباحثين مثلاً عن مخطط نموذج الأعمال Business Model Canvas فلن تجد الكثير يعرفون عن ماذا تتحدث.

السبب الثاني هو عدم معرفة الباحثين بإمكانية وجود شركاء محتملين في الصناعة والتقنية ممن يساعدون في توجيه الأفكار وكذلك تقييمها وتحليلها وتسويقها لكي تتحول في النهاية لمنتج تجاري. هذا الجهل بمفاهيم ال research commercializationعند اغلب الباحثين في طب الأسنان جعل أقصى الطموح هو النشر العلمي، متساويين في ذلك مع أي باحث يعمل في تخصص نظري بحت وبالتالي يلغي القيمة التنافسية لمجال خصب مثل طب الأسنان.

ما هو الحل المقترح للوصول للهدف المنشود وهو دعم الاقتصاد المعرفي من خلال البحث والابتكار في مجال طب الأسنان؟

مثل كثير من المشاكل التي تواجهنا، هناك حلول مجربة لدى الدول التي سبقتنا وكل ما علينا هو انتقاء أفضل الحلول المتاحة، وبحكم أنني خريج المدرسة الأمريكية في طب الأسنان فسأشارك الحل الذي عشته خلال سنوات البعثة. خلال دراستي في الولايات المتحدة الأمريكية كانت لي تجربة طوال فترة الدكتوراه بالعمل على مشاريع بحثية ممولة من المعهد الأمريكي للصحة NIH والذي يعتبر أكبر جهة تمويل بحثية في العالم بميزانية سنوية تصل ل٣٦ مليار دولار (حوالي ١٣٥ مليار ريال تنفق سنوياً لدعم الأبحاث في المجال الطبي فقط). إن الطريقة التي يعمل بها المعهد في تمويل الأبحاث عبارة عن تراكمات وتجارب لحوالي ١٥٠ عام وصلوا من خلالها لنتيجة بسيطة وهو أن الدعم الفيدرالي الحكومي للأبحاث بمثابة الاستثمار الحكومي، عليك أن تقنعهم من خلال المقترح البحثي أن مشروعك هو الأجدر بالدعم لأنه سيعود بالفائدة!

في الجزء الباقي سأضع خطوط عريضة مقتبسة من تجربة الNIH عن الحل المقترح للارتقاء بمستوى الأبحاث في تخصص طب الأسنان في الجامعات السعودية. هذه الاقتراحات ستكون بمثابة نواة لمبادرة تحتاج منكم للنقاش والتعديل لتنضج بشكل أفضل قبل أن يتم تقديمها لوزارة التعليم.

الخطوة الأولى هو انشاء مكتب مستقل في وزارة التعليم معني بتمويل وحوكمة البحث والابتكار في كليات طب الأسنان – Dental Research and Innovation Office

اغلب الجهات المشرفة والممولة للأبحاث في العالم لا تقوم بتمويل جميع التخصصات من خلال منصة واحدة وإنما تقوم بعمل مراكز داخلية لكل تخصص، مثلا في الNIH يوجد ٢٣ مركز لأغلب التخصصات الطبية، منها مركز معني بتمويل أبحاث طب الأسنان فقط، يقوم هذا المركز بتحديد الأهداف ومقدار المنح ومراجعة المقترحات وتحكيمها وتدريب الباحثين وغير ذلك من الخدمات التي تستهدف الباحثين في مجال طب الأسنان في كامل أمريكا. جميع الباحثين في مجال طب الأسنان في امريكا يتنافسون سنوياً للفوز بمنحة من خلال هذا المركز، هذا التنافس بين أبناء التخصص الواحد هو المحرك الأساسي للإبداع والابتكار، فبنهاية الدورة البحثية يتم إعلان الباحثين الفائزين والجامعات التي ينتمون لها، حتى أن الجامعات أصبحت تتفاخر بعدد الباحثين الذين فازوا بمنح بحثية في دلالة على تميزها مقارنة بجامعة أخرى. الذي يحدث لدينا الآن في السعودية أن روح التنافس مع زملاء التخصص أو بين كليات طب الأسنان ومن ثم الجامعات يكاد يكون معدوم . ما نحتاجه في تخصص طب الأسنان أن يكون لنا مرجعية تدير وتنظم وتوجه المنافسات البحثية بين جميع كليات طب الأسنان في المملكة.

مهام مكتب البحث والابتكار في طب الأسنان:

١- الإعلان عن منافسة منح بحثية بين جميع كليات طب الأسنان.

إن كليات طب الأسنان بعددها الذي يصل ل٢٨ كلية واساتذتها الذين يصلون للآلاف وطلابها الخريجين الذين يصلون للآلاف ايضاً والملزمون بعمل أبحاث للتخرج (كل خريج من كلية طب أسنان في المملكة ملزم بعمل بحث لمدة عام كامل مع مشرفين مختصين) هذا العدد من الباحثين والمشرفين وطلاب الدراسات العليا وأطباء الامتياز وحتى الطلاب جميعهم طاقات كامنة ورأس مال بشري مدرب يحتاج لمحفز تنافسي في مجال البحث والابتكار. الإعلان عن منافسة وطنية في أبحاث طب الأسنان سيكون أثره مثل الشرارة المتقدة في ذهن الجميع وبذلك ينتج لدينا العديد من الأسئلة والأفكار البحثية الجيدة التي قد تصبح شيء مهم في يوم ما. لو استطعنا الحصول سنوياً على ١٠ أفكار فقط ذات جدوى اقتصادية سنكون أنجزنا في سنتين مالم ننجزه في عشرات السنين.

٢- تدريب الباحثين على تقديم المقترحات بطريقة توضح الفائدة والجدوى الطبية و الاقتصادية من البحث

بالحديث عن تجربة NIH في كتابة المقترحات فإن المراجع للمقترح البحثي في نموذج R01 مثلاً يعرف من أول صفحة هل سيتم تمويل البحث أم لا! إن كل مقدمة في المقترح البحثي يجب أن تجيب بوضوح مع الشواهد المنطقية على نقطتين مهمة وهما: هل هناك أهمية وأثر للمشكلة التي يراد حلها Impact & Significance ومن ثم هل الحل المقدم ابداعي ويحمل فكرة جديدة Novel & Innovative معنى ذلك أن الباحث مثلاً في مجال طب الأسنان يحتاج أن يجيب عن أسئلة مثل:
١- هل سيحسن هذا المشروع من جودة حياة المريض؟ كيف؟
٢- هل سيوفر هذا المشروع من تكاليف العلاج؟ كيف؟
٣- هل سيساهم هذا المشروع في تسهيل العلاج؟ كيف؟
٤- هل سيقود هذا المشروع لتطوير منتج يسد حاجة في مجال طب الأسنان؟ كيف؟
٥- هل سيطور هذا المشروع من منتج او خدمة قائمة؟ كيف؟

إذا استطاع الباحث أن يجيب بنعم على أي من هذه الأسئلة وشرح ذلك بشكل منطقي سيتم تمويله والمراهنة على أن مشروعه فريد من نوعه وأن هناك احتمالية كبيرة آن يتم تحويله لمنتج معرفي ذا قيمة اقتصادية.

٣- تسويق الأبحاث الناجحة وتحويلها من أفكار على الورق الى منتجات ملموسة

هذه الخطوة هي التي ستحدث الفرق، فبعد أن تكتمل الأبحاث المميزة تأتي مرحلة تسويقها للجهات الصناعية والتقنية والتي من الصعب على الباحث أن يتواصل معهم بشكل فردي، على الأقل في طب الأسنان. وجود المكتب سيجعل العمل مؤسسي أكثر ويسهل عملية التواصل بين الباحثين وبين الشركات الراغبة في الاستثمار وسيجعل المكتب مستودع للأفكار المميزة لمن أراد الاستثمار في هذا المجال.

الهدف المانيا IDS 2023

لكي يصبح للعمل الذي نقوم به قيمة، علينا أن نتحدى أنفسنا بوضع أهداف تستحق العناء. في مارس ٢٠١٩ أقيم في المانيا المؤتمر العالمي الأكبر والذي يضم جميع شركات طب الأسنان في العالم والذي ينعقد كل سنتين. يجتمع تحت قبة هذا المؤتمر أكثر من ٢٣٠٠ شركة متخصصة في منتجات طب الأسنان من ٦٣ دولة. في هذا المؤتمر تجد المئات من الشركات العملاقة والمئات ايضاً من الشركات الناشئة التي مازالت في بدايتها تعرض منتجاتها الأولية وتبحث عن شركاء دوليين. على الرغم من ان عدد الشركات التي تحضر للمؤتمر كبير جداً الا انه وبكل أسف لم يكن هناك أي شركة سعودية! سيقام المؤتمر القادم في ٢٠٢١ ثم ٢٠٢٣ التحدي الذي نحتاج أن نضعه أمام أعيننا كمختصين في طب الأسنان هو: هل نستطيع المشاركة لو بشركة ناشئة واحدة تقدم منتجات طب أسنان تم تطويرها في المملكة؟ اظن انه تحدي حقيقي ولكنه ليس مستحيل إذا ما وجدت هناك الإرادة والدعم والبيئة المناسبة بعد التوفيق من الله سبحانه وتعالى.

في ختام هذه التدوينة أدعوك عزيزي المهتم بالبحث والابتكار أن تثري هذا المقترح بالتعليق والنقاش ومشاركة هذه التدوينة لكي يتم تقديمها كمبادرة إنشاء مكتب لدعم وإدارة الأبحاث في طب الأسنان يكون تحت اشراف وزارة التعليم يهدف الى الوصول لأفضل الأفكار البحثية في مجال طب الأسنان في المملكة ومن ثم متابعتها ودعمها للوصول الى منتجات تجارية يتم تسويقها محلياً وعالمياً.

قبل البداية

الفرنسي جين بابتيستيه صاحب مصطلح ( ريادة الأعمال) يقول عن رائد الأعمال انه شخص يستغل الموارد المتاحة ويقوم بتحويلها لفرص (استثمارية) وذلك عن طريق خلق أسواق جديدة بفرص واعدة وخطورة عالية. من خلال هذا التعريف بدأت فكرتي بتوجيه الدفة قليلاً نحو العمل الاكاديمي وتحديداً البحث العلمي. لذلك عندما (اخترعت) مصطلح ريادة الأعمال الأكاديمية فإنني أشير إلى تعريف (محرف) يكون فيه الرائد الأكاديمي هو ذلك الشخص الذي يستغل الموارد المتاحة ويقوم بتحويلها لفرص (بحثية) وذلك عن طريق خلق أسئلة جديدة بفرص واعدة وتكاليف قليلة. من خلال هذه الفكرة أحاول أن اصل لتصور أشمل للعمل الأكاديمي الحديث بحيث يتعلم المنشغل به أن يفكر بطريقة إبداعية ومختلفة تشابه تلك الطرق التي سلكها رواد الأعمال في البزنس وابدعوا عندما شقوا طريقهم في ريادة الأعمال بعيداً عن الطرق الكلاسيكية التي تعلموها لقرون في معاهد وكليات إدارة الأعمال. أهلا بك في هذا القسم اذا كنت من المهتمين بالبحث العلمي والريادة الأكاديمية.

 

سيتم نشر التدوينات في هذا القسم لاحقاً