انتقل الى رحمة الله ، يوم امس الخميس ، المفكر العربي المصري عبدالوهاب المسيري بعد صراع طويل مع المرض .هنا لا يمكنني ان اقول اي شيء عن سيرة هذا العلم ، فلا يمكن ان اختزل السبعين سنة من حياته في تدوينة صغيرة .حقيقتاً لم اقرأ الكثير من انتاج هذا الرجل اللذي كرس حياته لدراسة كل شيء عن اليهود والصهيونية والف اكبر موسوعة عنهم .
في الواقع انا لم اعرف المسيري من خلال هذا التوجه ، وانما اولاً من خلال توليه منصب المنسق العام لحركة ( كفاية) المصرية التي تعارض استمرار الرئيس المصري وكذلك ترشيح ابنه جمال . كذلك توسعت في معرفته من خلال كتاباته كمفكر وصاحب ( توجه) يظهر ذلك في كتابه الجميل والشيق والذي انصح الجميع باقتنائه وهو من الكتب العربية النادرة التي تكتب السيرة الذاتية( الفكرية) بشكل سلس وجميل وواقعي ، فيه يعلمنا الكتابة والقراءة من جديد ..
رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر سيرة غير ذاتيه غير موضوعية
حوار منقول من جريدة الشرق الاوسط قبل عام تقريباً
حوار : سلطان الحمزي
ترددت في محاورة المفكر الاسلامي المصري الكبير الدكتور عبدالوهاب المسيري نظرا لظروفه الصحية لكنه أصر بشدة على اجراء الحوار حين علم بأنني من المملكة ، معللا ذلك بحبه الشديد لهذا البلد واعتزازه بها ، وقد تركز حوارنا حول القضايا الفكرية التي اشتهر بتعمقه فيها فهو صاحب الموسوعة الصهيونية الكبرى ، وهو صاحب الأطروحات المنطقية التي اعملت عدسة النقد في الحضارة الغربية خاصة بعد أن تحول من الخطاب اليساري الى الخطاب الاسلامي .. فالى الحوار . أمام هذا الانتاج الفكري الغزير الى جانبه جائزتان في أدب الطفل عام 2000 و2003 .. كيف جمع الدكتور عبد الوهاب بين لغة الفكر المنطقية ولغة الأطفال السهلة والسلسة ؟
– انا اقول أن الأطفال يمكنهم ان يفهموا أي شيء ان ترجمته الى لغتهم ، وانا لتوي انتهيت من ترجمة قصة تسمى “ البيضة والكتكوت والدجاجة “ اطرح فيها فكرة الكشف عن علاقة الأجزاء بالكل وكيف تنمو الأشياء الصغيرة وتصبح كبيرة .. “قل لهم لما بتجيبوا البرتقالة وتقشرونها وتقطعونها الى اجزاء فهذه الأجزاء من ذلك الكل ، وتقول لهم تعالوا ننظر من البلكونة الى تلك السيارة وهي مكونة من ابواب وعجلات ومقود هل تستطيع ان تقول هذه عجلات لا تقول سيارة ان .. وهكذا” .
انت دخلت التأليف للطفل من اجل المنطق الفكري ؟
– نعم .. نحن نريد طفلا مبدعا ولذلك نبتعد عن لغة القمع والتلقين .. الى لغة الاقناع والتكوين الفكري السلس .
القراءة للكتابة ..حق مشاع ومنضبط بضوابط أم أنه محدود ومحتكر لفئة من الناس ؟
– لا طبعا هي حق مشاع .. لكن حين تقرأ كتابا يجب أن تكون لديك مشكلة تبحث عنها خلال قراءاتك ، طبعا هذا لا ينطبق على المبتدأ ، لكن ما إن يشب عليه ألا يقرأ الا من خلال أطروحة لأن عدد الكتب ضخم فمثلا أكبر مكتبة في بدايات القرن العشرين كان فيها 100,000 كتاب ، الآن اصغر مكتبة فيها 5 ملايين زائدا النت ، فإن لم نقرأ من خلال أطروحة سنظل كتلا غير متحركة .
يعني أنت ترى بأن القراءة ليست مقدمة بل هي نتيجة عن أطروحة ؟
– نعم .
طرحت ضرورة ارتباط العلم بالقيمة .. لو جليتها لنا ؟
– شوف انا دائما اذكر قصة اوبن هايزر الذي اخترع القنبلة الذرية قابلته وسألته ماذا كان شعوره بعد ان اخترع المعادلة الرياضية فقال : تقيأت ، بمعنى هو كعالم منفصل عن القيمة اكتشف القنبلة الذرية ، وبعد ذلك انتبه بانسانيته بمعنى عادت اليه القيمة فتقيأ ، ولذلك أمضى بقية حياته يحاول يبطل مفعولها فمثلا اقترح بدل القاء قنبلتي هورشيما و ناجزاكي ان يجري تجربة في صحراء ميكسكو ويدعو العلماء اليابانيين لكي يصدقوا ذلك ، لكن الجنرال قو الذي كان خلف القنبلة قال لقد انفقنا 2 مليار دولار على القنبلة ..كارثة الانسان في القرن العشرين هو ما اسميه الحداثة المنفصلة عن القيمة .
ماذا تقول للمفكرين السعوديين؟
– انا من أشد المعجبين بالمناخ الثقافي الموجود في المملكة الذي لم يغط بشكل كاف ، مشكلة السعوديين تكمن فيما أسميه بالدويلات العربية الصغيرة ، لأنها هي التي تعطي الصورة ، بينما المملكة بلد فيه تشكيلات ثقافية وفيه تنوع وطبقات أي بلد حقيقي ، اما البلاد الصغيرة التي عندها المقدرة أنها تنشر صورتها الإعلامية مختلفة ، انا عشت في السعودية ست سنوات كانت من اسعد سنوات حياتي واعتقد أنني نميت فيها ثقافيا خاصة وأن جامعة الملك سعود احتضنت مشروع الموسوعة الصهيوينية الذي كنت قد بدأته في تلك الفترة وقد اعطوني مكتبة خاصة ووفروا كل الكتب التي احتجتها للموسوعة ، لذا انا اعتقد بأن عدم وجود أعباء اقتصادية تمنح المثقف السعودي فرصة كبيرة للإبداع والانطلاق .
هل تظن بأن المعرفة ما زالت قابلة لأن تتحول الى فعل حضاري في مثل ظروفنا العربية الحالية ؟
– نعم وان لم نفعل ذلك تتحول المعرفة الى زخرفة ..
اليست هي كذلك ؟
– لا لا . يجب ان نعلم ان الشعب العربي لم يهزم كنخبه ، وهذا دليل اننا امة حية .
كيف تنظر الى العلماء الشرعيين .. هل قاموا بأدوراهم ؟
– لنتحدث عن الخطاب الاسلامي بشكل عام يتطور تطورا هائلا وقطع مراحل ادت الى ازعاج العلمانيين بشكل كبير خاصة فوز حزب العدالة والتنمية في تركيا ،أما المؤسسة الفقهية فهي لم تتطور ولك ان تنظر الى الفتاوى التي صدرت مؤخرا بخصوص بول الرسول صلى الله عليه وسلم وعرق الرسول صلى الله عليه وسلم .
لكن هل الفكر الإسلامي الآن قدم تصورات وأطروحات للعصر الحالي؟
-نعم ..حزب الوسط قدم ، و الاخوان المسلمون قدموا ، لو قارنت بين خطاب “الاخوان المسلمون” الآن والاخوان قبل عشر سنوات ، أنا لا زلت أشيد بخطاب فضيلة المرشد العام في رمضان الفائت كان خطابا انسانيا منفتحا تكلم عن سيطرة رأس المال وهكذا طبعا فيه البعد الديني بمعنى “انه لمن بيهاجم الفساد بيهاجمه من منطلق البعد الديني” .
لكن ثمة من يقول بأن الخطاب الإسلامي وقف عند النصوص الشرعية بمعنى أنهم قدموا تصورات سطحية لمشاكل العالم ؟
– هذا هو ما يتمناه العلمانيون ، لكن الواقع غير هذا تماما ، المؤسسة الفقهية دخلت العصر الحديث “ومش تكيفوا معه فقط بل أعطوه إجابات لا يمكن للحداثة العلمانية والمادية ان تجيب عليها” .
ماذا بعد الحداثة ؟
– كلمة ما بعد ان ندرسها في الفلسفة العربية “بتعني ان ثمة نموذجا مات وذهب ويحل محله نموذج آخر” ، ففيه بعد الصناعة بعد الايدلوجية ، بس هما بيلمعوها ، فطبعا ما بعد الحداثة كامنة في الحداثة وفيها دراسة طويلة ، المهم ما بعد الحداثة أسميه انا ضد التأسيس ، بمعنى انه لا توجد معايير ولا ينتمون للمعايير بل يرون المعايير بمعنى ان لكل انسان معاييره الخاصة.
هل تصلح العلمانية كحل للخروج من مأزق الطائفية والمذهبية ؟
– لا.. المسألة لا يمكن ان تكون بخروج الانسان من مذهبه ودينه ، المهم ان نطاق هذا الدين وهذا المذهب يتسع ليسع الآخر ، وفيه فرق بين التسامح وعدم الاكتراث ، وانا من وجهة نظري ان الجماعات العلمانية لا يتسامحون بل لا يكترثون ، وبالتالي حين يحدث حدث مثل 11 سبتمبر تسقط أقنعة التسامح التي هي في جوهرها عدم اكتراث ، ولهذا أنا بأطالب بحداثة اسلامية انسانية لا تسقط في فخ العدمية أو عدم الا كتراث وليست منفصلة عن القيمة .. لذا هي حداثة تصلح لكل العالم ، وهنا يجب ان ندرك بأن الخطاب الاسلامي ليس موجه للمسلمين فقط بل موجه لكل البشر.
هل يمكن النظرة للعلمانية بعيدا عن عين العقيدة ؟
– مصطلح العلمانية مصطلح خلافي لأقصى درجة ، وكل الناس يستخدمونه وكأنه واضح ومتفق عليه ، وعزمي بشارة كتب مقالة في غاية الروعة يقول عندما يطلقون العلمانية يريدون عالما استهلاكيا لذا يتوجسون من النظام الإسلامي لأنه يريد منع الفساد والظلم .. ، انا ابحث عن تعريفهم للعلمانية لا يوجد لا يوجد ، لي صديق تركي تحدث عن مسألة سلبيات عدم استخدام الحرف العربي حوكم ،
نقدك للحضارة الغربية يقال انه انطلق في كثير منه من خلفية أيدلوجية ؟
– كلنا عندنا ايدلوجيه ، لا يمكن ان تنفصل عن أي انسان ، هي كلمة ايدلوجية اضحت كلمة سيئة ، فحين تقول انا ضد الشر أوضد العلم ومنفصلا عن القيمة فهذه ايدلوجية والعلم ليس منفصل عن القيمة ، نعم انا أقدم نقدا للحضارة الغربية أنا عشت هناك احدى عشرة سنة وبدأت أنظر وأفهم ، وواجب من واجبي أن أشرح هذا ليس للمسلمين فحسب بل للغربيين أنفسهم ويوجد في الغرب من ينقد الحداثة الغربية أكثر مني ، بالرغم أنني تعلمت هذا النقد من الغرب .
أليس من الأجدى بدل اطلاق النقد على عنانه البحث عن وسائل التعايش مع الحضارة الغربية ؟
– هذا يذهب مع هذا ، لأنه لا يمكن ان تتعايش الا بعد أن تنقد وتفهم ، وتبين للغرب مثالبة .
هل تفكر في تحويل الموسوعة الصهيونية الى مؤسسة ؟
– أتمنى ذلك لكن ليست هذه مهمتي ، وقد أخبرني المحامي بأنها مسألة مكلفة جدا ، وعندما يكون عندي مشروع بحثي أعين له مديرا يدير المشروع بأكمله وأعطي له الاعتمادات ، ونحن الآن في سبيلنا لاعادة بنائها وخاصة الجزء الثاني .
هل يوجد في بنية التفكير الاسرائيلية ما يمكن أن يغري الباحثين عن السلام معهم ؟
– إن درست البنية بعمق ستوقن انه لايمكن ، ضروري ان نفهم منطقهم الغرب رماهم هنا وقال لهم هذه ارض بلا شعب فاصطدموا بوجود شعب متقدم جدا فدخلوا في ورطة تاريخية لا يعلمون كيف الخروج منها لذا اولمرت يقول لا يمكن الحديث عن السلام الآن ، وباراك يقول لا يمكن الحديث عن السلام قبل خمسة أعوام .
إذن ما هو مستقبل العلاقة مع الكيان الصهيوني ؟
– انا دائما اتحدث عن نهاية اسرائيل لأن اسرائيل لن يكتب لها البقاء ، أنت تعلم انني من معاهدة كامب ديفيد الى الآن لم أقرأ تفاصيل أي معاهدة لأنني موقن بأنها ستسقط لا محالة ، وأجد أن خلايا مخي اثمن من أن أضيعها في قراءة معاهدة اعرف مسبقا انها ستفشل مسبقا وفيها بنود سرية لا يعلنون عنها .
هل أنت ممن يتوقعون “يخمنون” تاريخا متوقعا للسقوط .. أم ان الايمان بسقوطها مفتوح ؟
– التحديد صعب خاصة وانا دائما اقول مقومات بقاء اسرائيل متعلقة بأسباب خارجية مثل علاقتها بالولايات المتحدة والضعف العربي ، لكن يمكن القول بأنه قد يكون خلال عشر الى خمس عشرة سنة .
ماهي الاضاءة المهمة التي خرجت بها من التجربة اليسارية ؟
– سئلت مرة : ماذا تبقى من الماركسية ؟ فقلت لا شيء وكل شيء ، بمعنى أن الأفكار الأساسية كالعدالة وصنع طبقات وكذا دخلت علم الاجتماع .
بمعنى اصبحت ضمن المكون المعرفي ؟
– بالضبط وهذا ما عنيته بقولي كل شيء ولا شيء، أما الجانب المادي فماركس كان يتأرجح بين التجاوز المادي والسقوط في المادة ، لأنه ان كنت ثوريا حقيقيا تؤمن بالتغيير فأنت تؤمن بالتجاوز ، لكن هذا الجانب الماركسي همش تماما لدرجة أن بعض مخطوطات للماركس فيها عنصر تجاوز قوي أخفاها السوفييت لأن الاتحاد السوفييتي يركز على الجانب المادي وقد أودت الاستالينية بالاتحاد السوفييتي وكانت حياتهم مخزية لكن بوتن اصلح بعض الشيء .
هل تظن ان الأفكار التي وفدت قدمت للأمة العربية شيئا ؟
– نعم ، وقوضت أشياء ، فمثلا البنيوية انشغل العقل العربي بها ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة ، انا ما عندي مانع انشغل بها على أساس اكون اقف على أرضيتي الى جانب عندما يأتيني منهج من الخارج استفيد منه وأخلصه من جوانبه العدمية الفلسفية وهذا ما فعلته مع البنيوية والتفكيكية .
ماذا تقول للتيارات الاسلامية المحيطة بنا ؟
– أقول لهم أمامنا فرصة تاريخية لاعادة مسار تاريخ العالم الى الانسانية ، لكن هذه الفرصة لن تتأتى الا اذا كانت عقولنا متفتحة وكنا ابتعدنا عن تفاصيل الفقهية اياها التي قد تعوق الابداع .
المحبون يسألون عن صحتك ؟
– الحمدلله كانت نتائج التحاليل الأخيرة مذهلة وممتازة ، وهذا كله بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل المساعدة المالية التي قدمها كل من سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد ، وسمو الأمير عبدالعزيز بن فهد ، وان شاء الله بعد انتهاء المرحلة سيكون عندي كمون كامل لمدة سنتين الى ثلاث سنوات ثم استأنف اخذ حبة علاج كل شهر وقد قيل ان تكلفة الواحدة تبلغ 15000 دولار ، فسألت وماذا يفعل الفقراء.
– انا اقول أن الأطفال يمكنهم ان يفهموا أي شيء ان ترجمته الى لغتهم ، وانا لتوي انتهيت من ترجمة قصة تسمى “ البيضة والكتكوت والدجاجة “ اطرح فيها فكرة الكشف عن علاقة الأجزاء بالكل وكيف تنمو الأشياء الصغيرة وتصبح كبيرة .. “قل لهم لما بتجيبوا البرتقالة وتقشرونها وتقطعونها الى اجزاء فهذه الأجزاء من ذلك الكل ، وتقول لهم تعالوا ننظر من البلكونة الى تلك السيارة وهي مكونة من ابواب وعجلات ومقود هل تستطيع ان تقول هذه عجلات لا تقول سيارة ان .. وهكذا” .
انت دخلت التأليف للطفل من اجل المنطق الفكري ؟
– نعم .. نحن نريد طفلا مبدعا ولذلك نبتعد عن لغة القمع والتلقين .. الى لغة الاقناع والتكوين الفكري السلس .
القراءة للكتابة ..حق مشاع ومنضبط بضوابط أم أنه محدود ومحتكر لفئة من الناس ؟
– لا طبعا هي حق مشاع .. لكن حين تقرأ كتابا يجب أن تكون لديك مشكلة تبحث عنها خلال قراءاتك ، طبعا هذا لا ينطبق على المبتدأ ، لكن ما إن يشب عليه ألا يقرأ الا من خلال أطروحة لأن عدد الكتب ضخم فمثلا أكبر مكتبة في بدايات القرن العشرين كان فيها 100,000 كتاب ، الآن اصغر مكتبة فيها 5 ملايين زائدا النت ، فإن لم نقرأ من خلال أطروحة سنظل كتلا غير متحركة .
يعني أنت ترى بأن القراءة ليست مقدمة بل هي نتيجة عن أطروحة ؟
– نعم .
طرحت ضرورة ارتباط العلم بالقيمة .. لو جليتها لنا ؟
– شوف انا دائما اذكر قصة اوبن هايزر الذي اخترع القنبلة الذرية قابلته وسألته ماذا كان شعوره بعد ان اخترع المعادلة الرياضية فقال : تقيأت ، بمعنى هو كعالم منفصل عن القيمة اكتشف القنبلة الذرية ، وبعد ذلك انتبه بانسانيته بمعنى عادت اليه القيمة فتقيأ ، ولذلك أمضى بقية حياته يحاول يبطل مفعولها فمثلا اقترح بدل القاء قنبلتي هورشيما و ناجزاكي ان يجري تجربة في صحراء ميكسكو ويدعو العلماء اليابانيين لكي يصدقوا ذلك ، لكن الجنرال قو الذي كان خلف القنبلة قال لقد انفقنا 2 مليار دولار على القنبلة ..كارثة الانسان في القرن العشرين هو ما اسميه الحداثة المنفصلة عن القيمة .
ماذا تقول للمفكرين السعوديين؟
– انا من أشد المعجبين بالمناخ الثقافي الموجود في المملكة الذي لم يغط بشكل كاف ، مشكلة السعوديين تكمن فيما أسميه بالدويلات العربية الصغيرة ، لأنها هي التي تعطي الصورة ، بينما المملكة بلد فيه تشكيلات ثقافية وفيه تنوع وطبقات أي بلد حقيقي ، اما البلاد الصغيرة التي عندها المقدرة أنها تنشر صورتها الإعلامية مختلفة ، انا عشت في السعودية ست سنوات كانت من اسعد سنوات حياتي واعتقد أنني نميت فيها ثقافيا خاصة وأن جامعة الملك سعود احتضنت مشروع الموسوعة الصهيوينية الذي كنت قد بدأته في تلك الفترة وقد اعطوني مكتبة خاصة ووفروا كل الكتب التي احتجتها للموسوعة ، لذا انا اعتقد بأن عدم وجود أعباء اقتصادية تمنح المثقف السعودي فرصة كبيرة للإبداع والانطلاق .
هل تظن بأن المعرفة ما زالت قابلة لأن تتحول الى فعل حضاري في مثل ظروفنا العربية الحالية ؟
– نعم وان لم نفعل ذلك تتحول المعرفة الى زخرفة ..
اليست هي كذلك ؟
– لا لا . يجب ان نعلم ان الشعب العربي لم يهزم كنخبه ، وهذا دليل اننا امة حية .
كيف تنظر الى العلماء الشرعيين .. هل قاموا بأدوراهم ؟
– لنتحدث عن الخطاب الاسلامي بشكل عام يتطور تطورا هائلا وقطع مراحل ادت الى ازعاج العلمانيين بشكل كبير خاصة فوز حزب العدالة والتنمية في تركيا ،أما المؤسسة الفقهية فهي لم تتطور ولك ان تنظر الى الفتاوى التي صدرت مؤخرا بخصوص بول الرسول صلى الله عليه وسلم وعرق الرسول صلى الله عليه وسلم .
لكن هل الفكر الإسلامي الآن قدم تصورات وأطروحات للعصر الحالي؟
-نعم ..حزب الوسط قدم ، و الاخوان المسلمون قدموا ، لو قارنت بين خطاب “الاخوان المسلمون” الآن والاخوان قبل عشر سنوات ، أنا لا زلت أشيد بخطاب فضيلة المرشد العام في رمضان الفائت كان خطابا انسانيا منفتحا تكلم عن سيطرة رأس المال وهكذا طبعا فيه البعد الديني بمعنى “انه لمن بيهاجم الفساد بيهاجمه من منطلق البعد الديني” .
لكن ثمة من يقول بأن الخطاب الإسلامي وقف عند النصوص الشرعية بمعنى أنهم قدموا تصورات سطحية لمشاكل العالم ؟
– هذا هو ما يتمناه العلمانيون ، لكن الواقع غير هذا تماما ، المؤسسة الفقهية دخلت العصر الحديث “ومش تكيفوا معه فقط بل أعطوه إجابات لا يمكن للحداثة العلمانية والمادية ان تجيب عليها” .
ماذا بعد الحداثة ؟
– كلمة ما بعد ان ندرسها في الفلسفة العربية “بتعني ان ثمة نموذجا مات وذهب ويحل محله نموذج آخر” ، ففيه بعد الصناعة بعد الايدلوجية ، بس هما بيلمعوها ، فطبعا ما بعد الحداثة كامنة في الحداثة وفيها دراسة طويلة ، المهم ما بعد الحداثة أسميه انا ضد التأسيس ، بمعنى انه لا توجد معايير ولا ينتمون للمعايير بل يرون المعايير بمعنى ان لكل انسان معاييره الخاصة.
هل تصلح العلمانية كحل للخروج من مأزق الطائفية والمذهبية ؟
– لا.. المسألة لا يمكن ان تكون بخروج الانسان من مذهبه ودينه ، المهم ان نطاق هذا الدين وهذا المذهب يتسع ليسع الآخر ، وفيه فرق بين التسامح وعدم الاكتراث ، وانا من وجهة نظري ان الجماعات العلمانية لا يتسامحون بل لا يكترثون ، وبالتالي حين يحدث حدث مثل 11 سبتمبر تسقط أقنعة التسامح التي هي في جوهرها عدم اكتراث ، ولهذا أنا بأطالب بحداثة اسلامية انسانية لا تسقط في فخ العدمية أو عدم الا كتراث وليست منفصلة عن القيمة .. لذا هي حداثة تصلح لكل العالم ، وهنا يجب ان ندرك بأن الخطاب الاسلامي ليس موجه للمسلمين فقط بل موجه لكل البشر.
هل يمكن النظرة للعلمانية بعيدا عن عين العقيدة ؟
– مصطلح العلمانية مصطلح خلافي لأقصى درجة ، وكل الناس يستخدمونه وكأنه واضح ومتفق عليه ، وعزمي بشارة كتب مقالة في غاية الروعة يقول عندما يطلقون العلمانية يريدون عالما استهلاكيا لذا يتوجسون من النظام الإسلامي لأنه يريد منع الفساد والظلم .. ، انا ابحث عن تعريفهم للعلمانية لا يوجد لا يوجد ، لي صديق تركي تحدث عن مسألة سلبيات عدم استخدام الحرف العربي حوكم ،
نقدك للحضارة الغربية يقال انه انطلق في كثير منه من خلفية أيدلوجية ؟
– كلنا عندنا ايدلوجيه ، لا يمكن ان تنفصل عن أي انسان ، هي كلمة ايدلوجية اضحت كلمة سيئة ، فحين تقول انا ضد الشر أوضد العلم ومنفصلا عن القيمة فهذه ايدلوجية والعلم ليس منفصل عن القيمة ، نعم انا أقدم نقدا للحضارة الغربية أنا عشت هناك احدى عشرة سنة وبدأت أنظر وأفهم ، وواجب من واجبي أن أشرح هذا ليس للمسلمين فحسب بل للغربيين أنفسهم ويوجد في الغرب من ينقد الحداثة الغربية أكثر مني ، بالرغم أنني تعلمت هذا النقد من الغرب .
أليس من الأجدى بدل اطلاق النقد على عنانه البحث عن وسائل التعايش مع الحضارة الغربية ؟
– هذا يذهب مع هذا ، لأنه لا يمكن ان تتعايش الا بعد أن تنقد وتفهم ، وتبين للغرب مثالبة .
هل تفكر في تحويل الموسوعة الصهيونية الى مؤسسة ؟
– أتمنى ذلك لكن ليست هذه مهمتي ، وقد أخبرني المحامي بأنها مسألة مكلفة جدا ، وعندما يكون عندي مشروع بحثي أعين له مديرا يدير المشروع بأكمله وأعطي له الاعتمادات ، ونحن الآن في سبيلنا لاعادة بنائها وخاصة الجزء الثاني .
هل يوجد في بنية التفكير الاسرائيلية ما يمكن أن يغري الباحثين عن السلام معهم ؟
– إن درست البنية بعمق ستوقن انه لايمكن ، ضروري ان نفهم منطقهم الغرب رماهم هنا وقال لهم هذه ارض بلا شعب فاصطدموا بوجود شعب متقدم جدا فدخلوا في ورطة تاريخية لا يعلمون كيف الخروج منها لذا اولمرت يقول لا يمكن الحديث عن السلام الآن ، وباراك يقول لا يمكن الحديث عن السلام قبل خمسة أعوام .
إذن ما هو مستقبل العلاقة مع الكيان الصهيوني ؟
– انا دائما اتحدث عن نهاية اسرائيل لأن اسرائيل لن يكتب لها البقاء ، أنت تعلم انني من معاهدة كامب ديفيد الى الآن لم أقرأ تفاصيل أي معاهدة لأنني موقن بأنها ستسقط لا محالة ، وأجد أن خلايا مخي اثمن من أن أضيعها في قراءة معاهدة اعرف مسبقا انها ستفشل مسبقا وفيها بنود سرية لا يعلنون عنها .
هل أنت ممن يتوقعون “يخمنون” تاريخا متوقعا للسقوط .. أم ان الايمان بسقوطها مفتوح ؟
– التحديد صعب خاصة وانا دائما اقول مقومات بقاء اسرائيل متعلقة بأسباب خارجية مثل علاقتها بالولايات المتحدة والضعف العربي ، لكن يمكن القول بأنه قد يكون خلال عشر الى خمس عشرة سنة .
ماهي الاضاءة المهمة التي خرجت بها من التجربة اليسارية ؟
– سئلت مرة : ماذا تبقى من الماركسية ؟ فقلت لا شيء وكل شيء ، بمعنى أن الأفكار الأساسية كالعدالة وصنع طبقات وكذا دخلت علم الاجتماع .
بمعنى اصبحت ضمن المكون المعرفي ؟
– بالضبط وهذا ما عنيته بقولي كل شيء ولا شيء، أما الجانب المادي فماركس كان يتأرجح بين التجاوز المادي والسقوط في المادة ، لأنه ان كنت ثوريا حقيقيا تؤمن بالتغيير فأنت تؤمن بالتجاوز ، لكن هذا الجانب الماركسي همش تماما لدرجة أن بعض مخطوطات للماركس فيها عنصر تجاوز قوي أخفاها السوفييت لأن الاتحاد السوفييتي يركز على الجانب المادي وقد أودت الاستالينية بالاتحاد السوفييتي وكانت حياتهم مخزية لكن بوتن اصلح بعض الشيء .
هل تظن ان الأفكار التي وفدت قدمت للأمة العربية شيئا ؟
– نعم ، وقوضت أشياء ، فمثلا البنيوية انشغل العقل العربي بها ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة ، انا ما عندي مانع انشغل بها على أساس اكون اقف على أرضيتي الى جانب عندما يأتيني منهج من الخارج استفيد منه وأخلصه من جوانبه العدمية الفلسفية وهذا ما فعلته مع البنيوية والتفكيكية .
ماذا تقول للتيارات الاسلامية المحيطة بنا ؟
– أقول لهم أمامنا فرصة تاريخية لاعادة مسار تاريخ العالم الى الانسانية ، لكن هذه الفرصة لن تتأتى الا اذا كانت عقولنا متفتحة وكنا ابتعدنا عن تفاصيل الفقهية اياها التي قد تعوق الابداع .
المحبون يسألون عن صحتك ؟
– الحمدلله كانت نتائج التحاليل الأخيرة مذهلة وممتازة ، وهذا كله بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل المساعدة المالية التي قدمها كل من سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد ، وسمو الأمير عبدالعزيز بن فهد ، وان شاء الله بعد انتهاء المرحلة سيكون عندي كمون كامل لمدة سنتين الى ثلاث سنوات ثم استأنف اخذ حبة علاج كل شهر وقد قيل ان تكلفة الواحدة تبلغ 15000 دولار ، فسألت وماذا يفعل الفقراء.
وماذا يفعل الفقراء ، رحم الله المسيري وغفر له
مبروك اخي انور موقعك الجديد
فرقنا
اسم له دلاله رائعة لمن يعرف فرقنا
وفقك الله
ورحم الله المسيري
اهلا ابو المعتصم
اسعدني مرورك وتعليقك