Loading...

وباء كورونا: ثمن السياسات الخاطئة!

الماضي:

بعد اعلان انفجار المفاعل النووي تشرنوبل عام ١٩٨٦ في أوكرانيا، اجتمع قادة الحزب الاشتراكي في المنطقة المنكوبة يناقشون المشكلة التي حلت بهم. كان بين فريق إدارة الأزمة خبير نووي أخبرهم أن معدل الاشعاع كارثي وأنه سيهلك ملايين البشر، وسيجعل المنطقة غير قابلة للحياة لعشرات السنين!  غضب قائد الحزب، بل إن جميع الرفاق غضبوا منه، كيف يسمح لنفسه أن يقول مثل هذا الكلام الخطير والذي قد يستفيد منه الأعداء؟ كيف يجرؤ على نشر إشاعات ترعب الناس؟ بدأ قائد الحزب يشرح: عندما يبدأ الناس بالخوف فإنهم يسألون الكثير من الأسئلة، إنهم لا يبحثون عن إجابات محددة، بل يبحثون عن شيء يخيفهم أكثر، هذا السلوك سيجعلهم يفقدون عقولهم…. على الدولة أن تحافظ على الناس وعلى سلامة عقولهم وعلى الهدوء، لذلك على الناس أن يتوقفوا عن الأسئلة ويهتموا بشؤونهم الخاصة، وعلى الدولة أن تهتم بشؤون الدولة!  مقتبس بتصرف، مسلسل تشرنوبل 2019

الحاضر:

في أواخر ٢٠١٩ بدأت بوادر كارثة فيروس كورونا تضرب الصين ثم العالم.

عندما سارع طبيب العيون الصيني الدكتور لي وينليانغ بالكشف عن فيروس جديد، كيف تعاملت معه الحكومة الصينية؟ نعم… بنفس الطريقة التي تعامل فيها قادات الحزب الاشتراكي السوفيتي في الثمانينات مع العالم النووي، بل إن هناك تقارير صحفية تقول إن الدكتور لي تعرض للتعذيب مما أجبر الحكومة الصينية أن تتقدم باعتذار رسمي لعائلته، وهو سلوك نادر الحدوث، أعني أن تعتذر الحكومة الصينية من أحد مواطنيها، ولكن جميع التقارير أثبتت أن الدكتور لي وجميع الصحفيين الذين اعتقلتهم الحكومة بتهمة نشر الإشاعات كانوا على حق وأن (الرفاق) ارتكبوا كارثة ليس بحق الدكتور لي فحسب، ولا بحق الصين فقط، وإنما بحق البشرية كلها.

عندما نذكر مثالين لبلدين اشتراكيين فيجب أن نكون منصفين ونسلط الضوء على الفريق الآخر، الرأسمالية ورواد الديموقراطية في العالم، أعني أوروبا. كتبت إحدى الصحف الغربية تعليق جاء فيه (لو كانت الصين بلد متحضر يراعي حرية التعبير، لكنا لم نعرف شيء يدعى أزمة فيروس كورونا). إن الدول الأوربية حتى لحظة كتابة هذه السطور هي أكثر الدول معاناة من جائحة كورونا التي عصفت بالعالم وتحديداً بالقارة العجوز. إن الكارثة التي حدثت في إيطاليا، وتسير على خطاها بعض الدول الاوربية، ستغير خريطة القارة وستلغي وهم المصير المشترك والوحدة الأوربية. لقد كشف وباء كورونا عن هشاشة ما يعرف بالاتحاد الأوربي، فهاهي التشيك تسرق معدات طبية مرسلة لإيطاليا وهاهي المانيا ترفض تصدير أقنعة ومعدات طبية لجارتها المنكوبة إيطاليا بحجة عدم الكفاية، هكذا اذاً، تم التخلي عن أعرق الدول الأوربية وأقدمها حضارة عند أول اختبار. بينما هناك على الطرف الآخر تسخر بنا الحياة مرة أخرى عندما تتبجح الصين بمد يدها لصربيا، نفسها الصين التي تقول بعض التقارير الإعلامية أنها ارتكبت كوارث بحق شعبها في مدينة ووهان، هاهي تأخذ دور البطولة في سلوك سياسي ظاهره الرحمة وباطنه أشياء أخرى، ليختتم الرئيس الصربي هذا المشهد الساخر مصرحاً (إن التضامن الأوربي خرافة على الورق وأن الصين هي صديقنا الحقيقي) مقبلاً العلم الصييني في مشهد ميلودرامي يذكرنا بمسرحيات انطون تشيخوف!

إن الإنفلات الذي حدث في بعض دول اوروبا ويحدث هذه الأيام في أمريكا وعدم قدرة الحكومة على فرض نظام مثل حظر التجول لساعات سببه أمرين: أولاً لأن هذه الحكومات تأخرت كثيراً في التحذير وفرض هذا النوع من التنظيم وذلك لاعتبارات اقتصادية، هكذا هي الرأسمالية، الاقتصاد أولاً وثانياً وثالثاً. السبب الثاني أن الأدبيات الغربية تعلي قيمة الحرية كسلوك فردي وكذلك سلوك اقتصادي، هذا التعزيز للفردية تجعل كل شخص مسؤول عن نفسه وعن قراراته حتى لو كان القرار أن يتجول وهو مريض ويعدي الآخرين، وهذا ما حدث في إيطاليا تحديداً، هذا المفهوم المتطرف للحرية الفردية جعل الدولة تعجز عن فرض النظام والقانون كتشريع يقضي بحظر التجول والذي يحتاج لجولات برلمانية قبل إقراره، وعندما يتم إقراره من سيلتزم به؟  فالمواطن لا يثق في الحكومة التي انتخبها، لأنه يعرف تماما أن مقاييس الحكومة ليست دائماً في صالحه.

تحدثنا في الجزء الأول عن الصين، عن الحرية المتطرفة للحكومة في عمل ما تريد بشعبها، ثم انتقلنا لنشاهد كيف عانت اوروبا ورأينا كيف يمكن ان تكون الحرية المطلقة للشعب سبب في الدمار، دعونا الآن ننظر بشيء من الإنصاف وكثير من الفخر كيف تعاملت الحكومة السعودية والشعب مع أزمة كورونا؟ وسأترك لكم الخيال لتقارنوا ما حدث ويحدث مع جارتنا الشرقية وكيف أن (جهل الحكومات) قد يتسبب في هلاك الشعوب المغلوب على أمرها كالشعب الإيراني الذي يدفع ثمن حكومة جاهلة وظالمة ومعتدية على جوارها وشعبها.

في مثل هذه الظروف، تأتي أهمية ثقة الشعب بالحكومة، هذه الثقة التي لا يمكن أن تحدث في يوم وليلة، إن إحساس الشعب أن حكومته موجوده لتحميه، لتستبق الأحداث، لتشاركه القرارات وأسبابها بكل وضوح، يجعل الجميع على قدر عالي من المسؤولية. أراهن على أن هناك حوار صامت داخل عقل كل مواطن سعودي، يقول فيه (الحكومة تبذل كل ما تستطيع من أجلي ومن أجل عائلتي ومن أجل جيراني وقريتي ومدينتي) هذا الاطمئنان هو الذي جعل الملايين يتصرفون بهدوء وحكمة، لم نجد هلع وتسابق على المحلات، حتى عندما أطل الملك حفظه الله يخبرنا أن الأيام القادمة ستكون صعبة وقاسية، وعندما تم فرض القوانين، قال جميع المواطنين بصوت واحد (سمعاً وطاعة). إن ما تقوم به حكومتنا في المملكة العربية السعودية  هو تصرف مسـؤول ويدعوا للفخر، والذي يدعو للفخر أكثر هو التصرف المسؤول من أغلب فئات المجتمع. إن حكومتنا تعرف يقينا أن غياب المعلومة هو مرتع خصب للشائعات، وأن عدم خروج التصاريح بشكل دوري ودقيق سيجعل رسالة واتس اب تبث الذعر في الملايين، لذلك كانت الحكومة متنورة أكثر ومسؤولة أكثر بل وحريصة أكثر من أغلب حكومات العالم، حيث أخبرتنا منذ اليوم الأول بعدد الحالات ومكانها وماذا يحدث، وهذه ليست المرة الأولى، حدث ذلك منذ أيام حمى الوادي المتصدع عام ٢٠٠٠، وبعدها بسنوات مع كورونا الشرق الأوسط عام ٢٠١٢، والآن يحدث مرة أخرى، هذه الثقافة المسؤولة والصريحة والشفافة تجعلنا نثق في قيادتنا وننقل هذه الثقة لأسرنا وأهلنا، فكما أن الشك والخوف معدي، كذلك الثقة والشجاعة!

لن نحاول أن نبحث عن احتمالية الحرب البيولوجية وهل بدأ الفيروس من أمريكا أم من الصين أم من مكان آخر، ستظل جميع التكهنات ممكنة  ولا مجال للحصول على أي جواب قطعي. لكن الأكيد هو أن وباء كورونا سيعيد تشكيل العالم اقتصادياً وسياسياً وحتى ثقافياً. إن من كان يراهن على حضارة وثقافة أوروبا والغرب باعتبارها النموذج الأكمل لما وصلت له الإنسانية سيعيد النظر في ذلك. هذه الدول التي كانت قبل سنوات قليلة تنصب المحاكم لنا وتعطينا دروس في الحقوق والواجبات ووتعلمنا كيف يجب ان تكون العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي أول من خذل شعوبها حينما حانت لحظة الحقيقة. هذه المثاليات التي حاول الغرب تسويقها منذ عقود بدأت تتساقط شيئاً فشيئاً مع كل ازمة تلامس حياتهم، أما الآن فهاهي تسقط السقوط الأخير وتتهاوى في أقل من شهر بسبب كائن ضئيل غير مرئي. أنا هنا لا أشمت من أحد، فالنار لم تخمد بعد، وقد تحرق الجميع، ولكننا نعيش واقع مليء بالدروس حتى وإن كانت ذاكرتنا قصيرة. هذا الواقع ترك الباب مفتوح على مصراعيه لجميع الدول أن تتخذ القرارات السياسية التي تناسبها، الصين اتخذت قرارها السياسي، كذلك فعلت اوروبا وأمريكا، ونحن ايضاً اتخذت حكومتنا القرار السياسي الذي أجزم انه بتوفيق الله كان الأفضل.

المستقبل:

قيمة الإنسان مسؤولية عالمية، والعبث بها وانتهاكها قد يؤدي الى نتائج كارثية كالذي حصل مع الطبيب الصيني عندما شخص المرض في بداياته ثم تم قمعه، وبعدها مات، ثم بعد ذلك تقدم الحكومة الصينية اعتذارها! تعتذرون لمن؟ للعالم؟ للكارثة التي حلت بالبشرية بسبب أيدولوجيتكم المشوهة؟ أوليست أبجديات الحزب التي أسسها ماو تونغ تقول (ثقوا بالجماهير!) فشلتم أن تثقوا بفرد متخصص يخبركم عن مرض فتورط العالم كله بسبب حماقتكم.

إن منظمات دولية مثل منظمة الصحة العالمية هي ما يحتاج  له العالم اليوم وغداً ليخبرنا ماذا نفعل وكيف نحمي أنفسنا، هذه المنظمة التي من المفروض أنه يعمل بها أفضل العقول وأفضل من يحمون حياة البشر من الأمراض هي من تستحق الدعم الدولي والميزانيات المفتوحة. لعشرات السنين كانت الساحة متروكة لهيئة الأمم المتحدة، تجار الحروب والسلاح والسياسات المزدوجة، كانوا هم من يقودون العالم، أين هم اليوم؟ وممن سنسمع التصريحات التي تخبرنا بالحقيقة؟ من ذلك المبنى الواقع في منهاتن، أم من هناك في جنيف حيث العالم كله ينتظر ماذا يخبرنا به ذلك الأسمر بروفسور الصحة العامة في مواجهة هذه الكارثة؟ أتمنى أن تكون منظمة الصحة العالمية على قدر المسؤولية وتحاول قدر الإمكان أن تتعامل مع المرض بعيداً عن السياسة!

اللهم أعز بلدنا ووفق حكومتنا وأدم علينا وعلى بلدان العالم الصحة والسلامة واكفنا شر هذا الوباء واصرفه عن البشرية.

You might also like

Comments (9)

  • علي عبده كفات 4 سنوات ago Reply

    تسلسل مميز رطرح رائع لمضامين احداث وقعت في أوقات مضت واستشهاد يوضع رؤية لواقعنا
    الحالي لإعادة ترتيب القناعات الفكرية في واقع الفكر الرأسمالي وتهاوي عرش الحريات الليبرالية المسيطرة على السواد الأعظم من هذا العالم .

  • ماجد 4 سنوات ago Reply

    مقال جميل كالعادة دكتور انور

  • ايمن 4 سنوات ago Reply

    احسنت تقف لك السطور لما قد اسلفته شكرا نعم شكرا

  • مقال يستحق التوثيق
    الشدائد تظهر معادن الرجال والحاكم والمحكوم
    وهذا ماتجلا وظهر هذه الايام بين الشعب السعودي وولات امره
    بارك الله فيك أخي الكاتب وامدك الله بالصحه
    وحفظ الله المملكه
    ملكاً وحكومة وشعب وحفظ البلاد العربيه

  • مقال يستحق التوثيق
    الشدائد تظهر معادن الرجال والحاكم والمحكوم
    وهذا ماتجلا وظهر هذه الايام بين الشعب السعودي وولات امره
    بارك الله فيك أخي الكاتب وامدك الله بالصحه
    وحفظ الله المملكه
    ملكاً وحكومة وشعب وحفظ البلاد العربيه

    مقال يستحق التوثيق
    الشدائد تظهر معادن الرجال وعلاقة الحاكم بالمحكوم
    وهذا ماتجلا وظهر هذه الايام بين الشعب السعودي وولات امره
    بارك الله فيك أخي الكاتب وامدك الله بالصحه
    وحفظ الله المملكه
    ملكاً وحكومة وشعب وحفظ البلاد العربيه

  • حسين حبكري 4 سنوات ago Reply

    مقال رائع وعرض سياسي وفكري لخص الكثير بوركت يادكتور أنور

  • ناقد متفهم 4 سنوات ago Reply

    مقالة غير مستوعبه للواقع الإنساني تقيمي لها نوعا ما جيد
    * نقاط مهمه منسيه أو متغافل عنها.
    * ايدلوجية يعذر كاتبه.

  • توفيق 4 سنوات ago Reply

    مقال رائع مو كاتب رائع وفقك الله وسدد خطاك وحفظ بلادنا الغاليه والعالم اجمع

Leave a Reply