Loading...

ميسي، المراوغة الأخيرة والهدف الأصعب!

لا يوجد إسم يشغل وكالات الانباء ومنصات التواصل الاجتماعي هذه الأيام أكثر من إسم ميسي، والسـؤال الأبرز، إلى أي نادي سيذهب بطل العالم  صاحب ال35عام؟ كانت الترشيحات تتأرجح بشكل كبير بين برشلونة، بيته القديم، وبين الرياض، وتحديداً نادي الهلال السعودي، الفريق العاصمي المنافس لفريق كرستيانو، النصر السعودي. وفي خضم هذه التنبؤات والتكهنات ظهر فجأة اسم انتر ميامي الأمريكي، هذا النادي الجديد والصغير قدراً في عالم كرة القدم والذي تأسس عام 2018 ويشارك في ملكيته ديفيد بيكهام، استطاع هذا النادي صاحب الخمسة أعوام، أن يكون البطل وفرس الرهان الذي حسم السباق في المنعطف الأخير وخطف أهم وأغلى لاعب في تاريخ كرة القدم وسط حسرة وخيبة أمل من جماهير برشلونة، وكذلك ذهول وصدمة من جماهير الهلال التي كانت تمني النفس بلاعب بحجم ميسي، فكيف يكون للنصر كرستيانو ولا يكون للهلال ميسي؟ كيف حدث ذلك وماذا حدث بالضبط ولماذا اختار الاسطورة ميسي طريق ميامي دون سواه؟! هل كانت نية ميسي بالعودة لبرشلونة حقيقية؟ ولماذا لا يبدو أن ميسي فكر في العرض السعودي بشكل جدي؟

بعد الإعلان انتشرت أخبار كثيرة أن ميسي ضحى بالمال من أجل رغبة أسرته، وتحديداً زوجته التي تحب حياة الشواطئ! هكذا بدت الصورة دون الحديث عن أي أرقام خصوصاً أنه لم يصدر أي بيان رسمي من النادي الأمريكي بعد، وقد كان الحديث أن صندوق الاستثمارات السعودي قدم ما يساوي 10 أضعاف ما قدمه النادي الأمريكي، فهل ميسي بهذا الجنون وبهذه السذاجة أن يضحي بكل هذه الثروة  فقط من أجل أن تستمتع انتونيلا بشمس ساوث بيتش؟

لقاء ميسي التلفزيوني

عندما استمعت للقاء ميسي، وقرأت بعض الاخبار، تذكرت ما حدث عام 2010 عندما كنت أعيش في فلوريدا وشعرنا بالزلزال الذي احدثه فريق ميامي هيت في عالم كرة السلة، حينها رأينا كيف استطاع هذا الفريق العادي أن يصنع التاريخ بصفقة جنونية بعد أن استقطب أفضل 3 لاعبين في كرة السلة (ليبرون ورفاقه) وصنعوا معاً فريق لا يقهر، حقق حينها ميامي هيت أعلى معدل أرباح في تاريخ اللعبة في ذلك الوقت! كان قرار انتقال ليبرون جيمس من كليفلاند لميامي كالصاعقة لدرجة أن اغلب شبكات الاخبار قطعت بثها ونقلت تصريح ليبرون حينها فيما أسماه ( The Decision القرار) هكذا يصنع الامريكيون الحدث الرياضي!

لم يعد هناك سبب للمنافسة

في اللقاء ذكر ميسي أنه عاش أفضل أيامه بعد كأس العالم ويشعر أنه حقق كل شيء، إذن ميسي يرى نفسه أنه (ختم اللعبة) كما نقول، وهذا يجعله يشعر أنه لم يعد ينافس أحد، فجميعنا يعلم أن هاجس ميسي الوحيد في السنوات الماضية هو كأس الكوبا وكأس العالم لمنتخب الإرجنتين، وبعد أن ابتسم له الحظ أخيراً، ذكر ميسي في مقابلات عديدة أنه سعيد جداً بهذا الانجاز وأنه ازاح عن كاهله حمل ثقيل يمثل حلم شعب بأكمله، لذلك وكما قال ميسي في مقابلته أمس أنه يشعر بأنه حقق كل شيء في كرة القدم، وبالتالي لم يعد لديه نفس دافع المنافسة واثبات أنه لا زال يستطيع تقديم الكثير كالدافع الذي نشاهده مثلاً عند كرستايانو رونالدو، هذه العقلية تجعل ميسي يفكر بطريقة مختلفة تماماً عن أي لاعب آخر.

فشل تجربة باريس

تجربة ميسي في باريس لم تكن بدايتها ناجحة بعد الخروج المتعب من برشلونة، فقد ذكر أنه شعر بالخذلان وأنه لم يغادر بالطريقة التي يستحقها، ولم تكن نهايته في باريس ناجحة أيضاً، فجماهير باريس لم تحترمه وتحترم تاريخه، تجربة السنتين هذه وصفها بأنها الأسوأ في مسيرته كلاعب وفي مسيرة اسرته. هذه التجربة جعلته يقرر بوضوح أنه لن يلعب لأي فريق آخر في اوربا مهما كانت العروض، وأظنه يقصد كذلك أنه لن يعيش في مكان غريب مرة أخرى، بسبب الصعوبات التي واجهها وواجهتها أسرته.

ميسي يريد أن يرتاح ولا يريد أن يحمل هم أحد غير أسرته

قال ميسي أنه يريد أن يرتاح، ولم يعد يرغب في المنافسة في كرة القدم، وهنا مربط الفرس في كل ما قاله ميسي في مقابلته الأخيرة، هنا يقول ميسي، وهو أفضل لاعب كرة قدم حالياً بالأرقام، وهو في عز مجده، وهو يتجهز للفوز بالبالون دور بعد شهر، وهو يحمل لقب كأس العالم وأفضل لاعب في كأس العالم بيديه، يقول لنا أنه قرر أن يرتاح وأن يمارس كرة القدم كشيء يحبه برتم أقل حدة وأقل تنافسية، وأنه يريد أن يستمتع هو وأسرته بالحياة بجانب ممارسته لكرة القدم. هذا التصريح ينقل فيه ميسي نفسه من لاعب تعود على حمل الفريق على أكتافه، من لاعب تعلق الملايين آمالها عليه، الى لاعب شو، نجم شباك، فنان استعراضي، لاعب تصفق له ولا تطلب منه أن يحقق اللقب! عندما اتخذ ميسي هذا القرار لنفسه، تغيرت قواعد اللعبة، وأصبحت الاسئلة مختلفة، لم يعد السؤال ماهو الفريق الذي يليق بي؟ وماهو الدوري الذي يستحق إسمي؟ بل أصبحت الأسئلة، ماهو المكان الذي أبني فيه مسرحي الاستعراضي، وأين اقدم عروضي الفنية كنجم سيرك محترف، ومن سيدفع أكثر لحضور عروضي؟ وكيف أستفيد مادياً من كل هذا؟ وكيف تستمتع أسرتي واستمتع أنا بالسنوات الباقية في حياتي الرياضية وأبني عليها مابعدها؟

هل كذب ميسي على جمهور برشلونة؟

هذه النظرة المختلفة التي عبر بها ميسي عن نفسه، تجعلني لا أصدق أي كلمة قالها بتفكيره في العودة الى برشلونة، كيف يعود لنادي يريد منه أن يفعل كل شيء؟ كيف يعود لجمهور يعشقه ويطالبه بالألقاب كل يوم؟ أعتقد أنه (مثل) قصة رغبته في العودة من أجل الحفاظ على جمهوره الذي يحبهم ويحبونه ليرفع الحرج عن نفسه ويقول لهم إنني جاهز للقدوم متى ما تقدم لي العرض المناسب! العرض الذي يعلم هو ونعلم جميعاً أنه لا يمكن لبرشلونة أن يقدمه، اذاً خيار  العودة لبرشلونة لم يكن خيار حقيقي وعملي، ولكن لا مانع من (كذبة بيضاء) لحفظ الود، ولا مانع من العودة في يومٍ ما لحفل توديع يليق بميسي وتاريخه، ولا مانع ايضاً من إحراج الإدارة في برشلونة!

هل فكر ميسي في القدوم الى السعودية؟

بالعودة لما ذكرنا سابقاً، وهو أنه يريد أن يرتاح، فإن السعودية ليست المكان المناسب للراحة لا له ولا لعائلته، فكرستيانو موجود، والمسؤلين في السعودية يرغبون في إشعال المنافسة والقفز بمستوى الدوري لذلك استبعد أنه فكر  بشكل جدي في السعودية خصوصاً من ناحية اللعب، وأما من ناحية اسرته وحياته فمن المؤكد انه يعلم أن السعودية لن تكون المكان الافضل لهم وخصوصاً انهم وجدوا صعوبة في التأقلم في باريس كما يقول،  فكيف بالحياة في منطقة مختلفة تماماً كالرياض؛ ولكن، العرض السعودى كان لابد منه، فهو أفضل عرض مالي في تاريخ ميسي، وهي الورقة التي يستطيع خورخي ميسي، والد ميسي ووكيله الشرس، أن يفاوض بها ويضغط بها على الأمريكان من باب (كم حدك؟ ونطلب من الله الزود!) وأظن انه نجح الى حد كبير في ذلك.

أمريكا هي المحطة القادمة

قالها ميسي في أكثر من مناسبة أنه سيختم حياته الرياضية في أمريكا، فهو يعرف قصة بيليه جيداً وكيف حقق الكثير في سنواته الثلاث في أمريكا، وكذلك يعرف عن قرب قصة صديقه ديفيد بيكهام الذي انتقل عام 2007 للعب في أمريكا براتب يساوي 7 مليون دولار (وقد كان راتبه في مدريد 20 مليون دولار) ولكن الصناعة الأمريكية جعلت مداخيل بيكهام تتجاوز ال 50 مليون دولار خلال سنوات قليلة، بل أنه هنأ بيكهام في عام 2018 بتأسيس نادي انتر ميامي وقال له في مقطع على انستقرام  فيما بدا انه يمزح أنه قد يلعب في فريقه يوماً ما! اذا يجب الا يتفاجئ أحد إن كان اخر عقد لميسي مع فريق امريكي.

ميامي كانت الخيار الأسهل والأفضل لميسي

بهذه المعطيات، تصبح فلوريدا بأكثريتها اللاتينية الذين يشبههم ويشبهونه، وميامي التي يزورها سنوياً ويملك فيها بيت فاخر، والدوري الأمريكي بتنافسيته القليلة، والسوق الأمريكي الضخم بملياراته التي تصرف سنوياً في الرياضة وصناعتها، وأمريكا باستضافتها للكوبا بعد سنة ولكأس العالم 2026، كل هذه المعطيات تجعل ميامي الخيار الأسهل والأفضل ليبدأ فيه مشروع (ميسي شو) وهذا الذي حدث لم يكن قرار يومين، من المؤكد أن المفاوضات كانت منذ مدة طويلة، فالعرض الأمريكي الذي سمعنا عن بعض بنوده ويشمل اتحاد كرة القدم وشركات بحجم ابل واديداس لا يمكن ان يتم صياغته في أيام. أن يكون له ملكية في الدوري ونسبة من المشاهدات والحضور ونسبة من مبيعات اديداس وغيرها من الامتيازات بما فيها امكانية تأسيس نادي كما فعل بيكهام، كل ذلك يجعلنا نقول أن ميسي لم يضح بأي شيئ، ميسي سيحصل على مبالغ في أمريكا خلال السنوات القادمة أكثر من أي بلد في العالم، وسيحصل على حياة هو يعرفها ويمني نفسه بها منذ سنوات، وسيحصد ثمار نجاحه وتعبه على المستوى الشخصي والاسري والاحترافي، فأمريكا ليست كأي مكان، في تلك الأرض، عندما تكون من المشاهير، فسيتم استثمارك بأفضل ما يمكن.

اذاً لا غرابة أن يرفض ميسي عرض برشلونة العاطفي جداً، ولا غرابة كذلك أن يضحي بالعرض السعودي الذي يستطيع أن يجني أكثر منه خلال السنوات القادمة، فمستقبل (ميسي شو) هناك على الشواطئ الذهبية في ميامي بيتش! ترقبوا يا جمهور ميسي أن تروه بشكل مختلف، سنراه في الاوسكار في أول الصفوف، وفي مباريات البيسبول، وفي السوبر بول، وفي ملاعب القولف والتنس،  ومن المؤكد أن هوليوود تتجهز لهذا القادم الجديد بأفضل مالديها.

شكراً ميسي

شكراً ميسي على سنواتك الجميلة في كرة القدم، فكلنا نعلم قيمتك كلاعب، وكلنا نعرف أن القادم ليس كرة قدم حقيقية، من حقك الآن أن ترتاح على شواطىء كي وست وتمارس ما تحب بالطريقة التي تحبها مع أسرتك وبين أهلك وناسك، ولكن أيضاً عليك أن تنتبه، فحياة المشاهير في أمريكا ليست دائماً وردية!

You might also like

No Comments

Leave a Reply