Loading...

على الجامعات التركيز على دعم بيئة ريادة الأعمال دون أن تأخذ دور القيادة…لماذا؟

مدخل:

ادواردو سافرين ( شريك مؤسس لفيسبوك) : مارك، هذه رسالة من محامي جامعة هارفارد  قد تجعلنا نواجه مشاكل قانونية!

مارك زوكربيرج ( مؤسس ومالك فيسبوك): أعرف…فالمحامي عضو في مجلس الجامعة!

ادواردو سافرين: لابد أن لديهم شيء حقيقي  قانوني يستندون عليه!

مارك زوكربيرج: الشيء الحقيقي هو أن مشروع الفيسبوك ناجح واصبح منتشر، هؤلاء السخيفين  في جامعة هارفارد يدعون أنني استخدمت الأكواد المشفرة للجامعة، وهذا بالطبع غير صحيح! إسمع، عندما يقوم شخص بصنع كرسي رائع فليس من المفروض أن يشارك أمواله مع كل من  سبقه في عالم صناعة الكراسي، كل مافي الأمر انهم جاؤا لي بفكرة  مشروع وأنا جئت بفكرة افضل وهي الفيسبوك، لذلك ليس لهم الحق في ملكية أي شيء!

كان هذا حوار مقتبس من فيلم Social Network والذي يحكي القصة الحقيقية لموقع فيسبوك، هذه الجزئية من الحوار تسلط الضوء على علاقة الجامعات بالشركات الناشئة ودعم الابداع والابتكار، فهذه جامعة هارفارد بكل انفتاحها وتاريخها مع دعم المعرفة والابتكار تلاحق احد طلابها في المحاكم لتأخذ منه ملكية ابتكاره وتحاصره بجيش من المحاميين والمتنفذين ولكنها تفشل. لم يكمل مارك زوكربيرج دراسته في هارفارد وانسحب من الجامعة، لكنهم دعوه قبل سنتين وأعطوه شهادة الدكتوراه الفخرية من كلية القانون ( في الصورة أعلاه  تعليق مارك زوكربيرج  يخبر والدته انه اوفى بوعده وحصل على شهادة هارفارد). السؤال،  هل كان سينجح مشروع الفيسبوك لو كسبت جامعة هارفارد قضيتها ضد مارك زوكربيرج؟ بالتأكيد لا، فالجامعات كمؤسسات عتيقة ليس لديها القدرة على الابداع كما يحدث في الشركات الناشئة، من هذا المدخل سأبدأ بسرد بعض الأفكار عن طبيعة العلاقة  بين الجامعات وريادة الأعمال والابتكار.

ذكرت في تدوينه سابقة اننا متفائلين بالهيكلة الجديدة لوزارة التعليم التي انشأت وكالة مستقلة لدعم البحث والابتكار وريادة الأعمال بحيث تضع بشكل واضح أحد أهدافها: تشجيع اقتصاد المعرفة وتحويل الأبحاث والابتكارات الى منتجات اقتصادية تساهم في تحقيق رؤية 2030 ، أظن أنه مستهدف عظيم ويصب في صميم الرؤية، ولكن السؤال المهم هو كيف تستطيع الجامعات المساهمة في دعم الاقتصاد المعرفي والمساهمة في تطوير منتجات وخدمات ذات قيمة اقتصادية؟

للجواب على هذا السؤال نحتاج أن نسلط الضوء على تجربة عالمية ناجحة ونحاول أن نفهم كيف تم ذلك. هناك العديد من الجامعات حول العالم استطاعت ان تنجح في تحفيز ريادة الاعمال والابتكار وساهمت قاعاتها ومعاملها في النهوض بعالم الشركات الناشئة وريادة الأعمال في مجتمعاتها. لكني سأختار جامعة واحدة وذلك أن أحد رواد الأعمال المخضرمين (براد فيلد) عمل معها وكتب عنها بشكل متفرق في ثلاثة كتب تعتبر من الكتب المهمة في عالم ريادة الأعمال والشركات الناشئة، أعني هنا جامعة كولورادو بولدر في الولايات المتحدة الأمريكية. استطاعت هذا الجامعة ان تنهض بمحيطها ومدينتها التي لا يتجاوز سكانها ١٠٠ الف نسمة وجعلت منهم احد اكثر المجتمعات المعرفية ابداع في عالم التكنولوجيا وريادة الأعمال (اذا استثنينا طبعاً اللاعبين الكبار جدا في وادي السيلكون وفي بوسطن).

في كتابه الأشهر Startup Communities: Building An Entrepreneurial Ecosystem In Your City  يتحدث براد فيلد عن جملة من الصفات/العيوب التي تعتبر جزء من ثقافة المؤسسات الحكومية والجامعات والتي ورثتها وشكلت هويتها عبر مئات السنين. فهم هذه الصفات وإدراكها سيساعد الجامعات والمهتمين بالابتكار وريادة الأعمال من منسوبيها على فهم الدور الذي يقع على عاتقهم وأيضاً ستساعد في التركيز وعدم ممارسة أدوار ليست من صميم العمل الجامعي ولا تتناسب مع هوية المنشغلين بالبحث والتعليم. أيضا معرفة وتحليل هذه الصفات سيساعد المجتمع الريادي سواء كانوا من خارج الجامعة أو  من المنتسبين للجامعة في رسم حدود العلاقة التي يجب أن تكون بينهم وبين الجامعات.

قبل البدء بسرد الصفات لابد من التذكير بمفاهيم رئيسة يشير لها الكاتب وهي ماذا نعني برائد الاعمال وماهو الفرق بين مجتمع القياديين Leaders  ومجتمع المغذين Feeders

يذكر براد فيلد أن رائد الأعمال هو الشخص الذي ينشئ أو أنشأ او شارك في إنشاء شركة قابلة للنمو. يمكن أن يكون هذا الشخص طالب أو باحث أو خريج أو شخص على رأس عمل ويفكر جدياً في ترك عمله وبدء مشروعه الخاص. في المقابل هناك عضو هيئة التدريس أو الباحث في الجامعة والذي طالما أنه موظف في الجامعة ويأخذ راتب على وظيفته فهو في حينها ليس رائد اعمال (قائد) وانما داعم ومحفز ومشجع للعمل الريادي وربما مبتكر للكثير من الأفكار الريادية، ولكن بما أنه لم يتفرغ للعمل على فكرته بشكل كافي يستطيع من خلالها أن ينشئ شركته الخاصة ويبيع منتج أو خدمة فهو لا يرقى لأن يكون رائد اعمال.

أيضا يقسم براد فيلد  مجتمع ريادة الأعمال والشركات الناشئة الى قسمين،  قادة Leaders  و مغذين Feeders القائد في مجتمع ريادة الأعمال والشركات الناشئة يجب ان يكون رائد اعمال حقيقي، هذا القائد لديه مواصفات رائد الأعمال ومنها: الجرأة، الإبداع، الشغف والالتزام، القدرة على تقبل الفشل وإعادة المحاولة، التعلم والتدرب، التفرغ بشكل كامل للعمل على فكرته، وغيرها من المواصفات التي يتميز بها الأشخاص الرياديين. فكما يقول براد فيلد في كتابه Startup Opportunities، اذا قابلت احد يصف نفسه بأنه رائد اعمال عليك أن تطلب منه نبذة عن شركته وماذا قدم؟ اذا كان ذلك الشخص مجرد محاضر أو مدرب يخبر الآخرين ماذا يجب عليهم فعله دون أن يكون له شركته الخاصة فهو ليس رائد أعمال!

على الجانب الأخر هناك المغذين أو الFeeders  وهنا يقصد بهم  منسوبي المؤسسات الحكومية والجامعات  والاستشاريين المتخصصين ومقدمي الخدمات المحاسبية والقانونية وخلافه، هؤلاء دورهم دعم ريادي الأعمال واكمال النقص الذي لديهم ولكن ليس لهم الحق بأي حال من الأحوال انتزاع الدور القيادي او فرض شروط تجبر رائد الأعمال على تطبيق افكارهم. إنالمشاريع الريادية تتميز بطبيعة ثورية تخالف المألوف بينما نجد أن أغلب الذين ينتمون لمجتمع  المغذين أو ال Feeders  هم غالباً اشخاص جيدين فيما يقومون به ولكنهم مقاومين لأي شيء يغير المألوف الذي تعودوا عليه، هذا الاختلاف الجوهري يبعدهم عن مفهوم ريادة الأعمال!

ماهي الصفات التي تشترك بها الجامعات والمؤسسات الحكومية والتي يمكن أن تتحول لعوائق اذا ما ارادت الجامعات أن تأخذ  دور القيادة في عالم ريادة الأعمال؟

١- احترام التسلسل الإداري، يعتبر احترام التسلسل الإداري جزء أصيل في الجامعات فعضو هيئة التدريس يتحرك داخل اطار قسمه وبدوره رئيس القسم يحتاج أن يناقش المقترحات في مجلس القسم ثم العرض في مجلس الكلية وهكذا، هذه الصلابة الإدارية ليست محفزة للأفكار الإبداعية، العمل الريادي الابداعي لا يحتمل هذا الروتين، هو يعرف شيء واحد، ماذا احتاج ومن يستطيع مساعدتي؟ فتعبئة النماذج وانتظار توقيعها وموافقة صاحب الصلاحية في كل خطوة يقتل العمل الريادي ويدخل المشروع في دوامة البيروقراطية التي تعتبر من صميم عمل الجامعات والمؤسسات الحكومية ولكنها من اكبر اعداء المشاريع الناشئة وريادة الاعمال.

٢-(لا يوجد تمويل كافي) في الجامعات والمؤسسات الحكومية دائماً يكون هذا  العذر جاهز. فطبيعة الجامعات انها تعتمد على الدعم المباشر وتراعي الاجراءات المالية والميزانية المعدة مسبقا مما يجعل اي مشروع غير مدرج منذ وقت كافي من الصعب أن يتم الموافقة عليه مهما كانت تكلفته منخفضة، بينما المشروع الريادي، حتى لو كان في طور الفكرة الأولية، يستطيع فريق العمل ان يتحرك ويحصل على دعم مباشر من المهتمين كشركاء في الاستثمار بل وفي كثير من الأحيان يبدعون في الحصول على مصادر تمويل دون التعذر بعدم وجود الدعم الكافي (الحصول على مصدر تمويل هو اختبار حقيقي لجودة المشروع).

٣- العمل الريادي يحتاج التزام طويل وإيمان بالفكرة…اذا لم تكن الفكرة فكرتك والمشروع لك لن يكون هناك التزام حقيقي أو اهتمام بالنتائج. لذلك تجد من الخطأ الشائع أن يتم وضع حقيبة من المشاريع الريادية تحت إدارة موظف مسؤول يرجع له أصحاب المشاريع في كل خطوة للموافقة على الخطوة التالية.

٤- في الجامعات والمؤسسات الحكومية هناك دائما توجس وخوف من القادمين الجدد، من الآخر المختلف، إن عقلية الموظف الحكومي تجعله يفكر بطريقة براغماتية،  ماذا لي وماذا لهم، ماهي حدودي وماهي حدودهم، هل سيؤثر هذا على منصبي او على صورتي امام رؤسائي ومرؤوسي، لمن سينسب النجاح، من سيتحمل الفشل؟ في المقابل تجد ان الريادي الحقيقي حساباته اكثر بساطة ووضوح، فهو يرحب بأي قادم جديد لديه اضافة ولديه ما يقدمه للشركة الناشئة، لن يقبل ان يعمل مع أحد لا يقدم له فائدة حقيقية ولن يتردد في اشراك شخص يكمل النواقص لديه.

٥-مبدأ التحكم والسيطرة صفة شائعة في مجتمع  المغذين او الfeeders ، فكما يقول براد فيلد، الموظف التقليدي في الغالب يحتاج لفرض النفوذ والسيطرة على مجال ما قبل ان يبذل فيه جهد كبير، هذه الثقافة الإدارية التي تجعل صاحب المنصب الأعلى دائما اقوى ليست مشجعة للعمل الريادي ولا تصلح، فالعمل الحكومي ينطلق من القمة للقاع، عكس المشروع الريادي الذي يتحرك من القاع للقمة ويتبع معادلة بسيطة وواضحة: من يعمل اكثر يحصل على الحصة الأكبر!

٦-في الغالب تجد عضو هيئة التدريس لديه الخوف من الفشل وعدم المخاطرة بأخذ خطوات جريئة،  فلديه صورة يريد المحافظة عليها امام الزملاء ولديه حسابات ادارية مختلفة تجعله في الاغلب محافظ وغير مبادر. بينما يبدأ العمل الريادي من منطلق المبادرة والمغامرة التي تتساوى فيها فرص النجاح والفشل، واذا حدث الفشل فالريادي متفهم لذلك ولديه القدرة على التعلم وبدء شيء آخر!

٧- في مجتمع المغذين أو الFeeders لا يتم الاعتراف بالفشل بسهولة ويتم تحويره وتحوير أسبابه لأن تبعاته ستلاحق المسؤول وقد تؤثر على مستقبله الوظيفي، بينما في مجتمع الرياديين يتم ادراك الفشل بسرعة ويتم التعامل معه كنتيجة محتملة تستحق التعلم منهاا، لذلك تجد أن مجتمع الرياديين يعتبرون الفشل ضرورة لابد منها للتعلم.

هذه الصفات/ العيوب السبعة تؤكد انه من الخطأ ان تقود الجامعات مجتمع ريادة الاعمال والشركات الناشئة، ولكن ايضا هذا لا يعني انهم ليسوا مهمين في تنمية مجتمع ريادة الاعمال، فقد اثبتت التجارب والدراسات أن للجامعات دور مهم في  إنجاح أغلب الشركات الناشئة اذا مارست الدور المطلوب منها دون القفز لأدوار ليست من صميم عملها، فكيف يكون ذلك؟

كيف تساهم الجامعات في دعم الابتكار وريادة الأعمال؟

دعونا نعطي مثال لمراحل تطور ونمو  مشروع ريادي في مجال طبي مثلاً

١-مشكلة تحتاج لحل-٢-فكرة مبدئية للحل-٣- تكوين الفريق لعمل البحث وتجربة -٤- نتيجة ايجابية واثبات للاكتشاف العلمي-٥- تسجيل للملكية الفكرية – ٦- عمل النموذج الأولى -٧- تسويق المنتج  لدى شركاء محتملين-٨- اطلاق المنتج من خلال مسرعة اعمال، ٨-٩-١٠ ..الخ – منتج نهائي، شركة ناشئة.

كما نلاحظ تمر المشاريع الريادية والشركات الناشئة بثلاث مراحل رئيسية اذا جاز التعبير وهي:

١- المرحلة الأولى: مرحلة نشر ثقافة العمل الريادي وفكرة انشاء الشركات الناشئة لدى جمهور الرياديين.

٢- المرحلة الثانية: مرحلة إيجاد الأفكار و تطويرها ووضعها في الإطار الصحيح وتحديد نموذج العمل اللازم لتنفيذها ومن ثم تسجيل الملكية الفكرية ثم عمل النموذج الأولي.

٣-المرحلة الثالثة: مرحلة بداية الشركات الناشئة وما يتبعها من تعاون ودعم من قبل حاضنات ومسرعات الأعمال.

يتضح من هذا التقسيم أين تكمن قوة الجامعات، فالخطوات من ١ الى ٦ ( المرحلتين الأولى والثانية) يمكن تطبيقها بالكامل في حرم الجامعة وهذا ما يجب أن تركز عليه أغلب جامعاتنا في الوقت الراهن، لكن الذي سيكون من الصعب على أغلب الجامعات عمله بمفردها هو محاولة أن تقوم بدور الحاضنات والمسرعات للشركات الناشئة، حينها تحتاج أن تتعلم من القطاع الخاص كيف يتم ذلك بالإضافة لحاجتها لكثير من المرونة والرشاقة والجرأة للقيام بهذا الدور.

١- المرحلة الأولى:  مرحلة نشر ثقافة العمل الريادي وفكرة إنشاء الشركات الناشئة لدى جمهور الرياديين

ان ثقافة العمل الريادي وفكرة انشاء الشركات الناشئة تم تقديمها بطريقة مربكة نوعا ما في جامعاتنا، فأصبحت الصورة الذهنية العامة أن العمل الريادي ومفهوم ريادة الأعمال هو شيء يخص طلاب البزنس أو المهتمين بالتقنية مثلاً. هذا الخلل في الفهم جعل المهتمين بتخصصات أخرى مثل التخصصات الصحية والعلوم والفنون لا يعتبرون أنفسهم معنيين بكل ما يدور في هذا العالم الغريب. وهنا يجب العمل على نشر ثقافة ريادة الأعمال بين جميع منسوبي الجامعة وأن (هناك فرصة حقيقية لكل شخص في كل تخصص اذا ما كان لديه فكرة إبداعية أن يكون رائد أعمال وأن يشارك في تأسيس شركة خاصة في يوم ما) لا يجب اشغال الطلاب بالأمور الجانبية وتعقيدات الأمور الفنية والإدارية والقانونية والمحاسبية وخلافه، كل ما يحتاجون أن يعملوا عليه في هذه المرحلة هو البحث عن أفكار جديدة لحل مشاكل حقيقية وتكوين فرق عمل تشترك معهم في هذا الاهتمام. يجب أن نساهم في زرع سؤال بسيط في ذهن الطالب منذ بداية مرحلة الدراسة الجامعية وهو : ماهي المشكلة التي سأبذل أغلب وقتي في حلها؟ اذا استطعنا أن نجعل هذا السؤال عالق في أذهان الطلاب نكون أنجزنا المهمة الأصعب وهي نشر ثقافة الابداع والابتكار والتي تبدأ بسؤال.

تعتبر الجامعات مخزن ومستودع الأفكار سواء كانت أفكار بحثية أو ابتكارات أو مشاريع وذلك لأنها تجمع اكبر عدد من العقول المختلفة في مكان واحد. الذي تحتاج أن تبدع فيه الجامعات هو ايجاد آلية تجعل من هذه العقول مشاركة افكارها في بيئة مشجعة وداعمة. في المجتمعات الغربية تجد الجامعات منفتحة على المجتمع من خلال اقامة فعاليات تشجع خريجي الجامعة ان يعودوا لها، وتشجع الطلاب ان يزوروا اماكن مختلفة في الجامعة، وتشجع السكان في مدينة الجامعة ان يأتوا بشكل دوري مرة لحضور حفل ومرة لحضور مباراة واخرى لحضور ورشة عمل وهكذا، هذا التواصل الإنساني ينمي العلاقات بين افراد المجتمع ومن ثم تبدأ العقول بتشارك افكارها. احتاج أن اعرفك وأعرف ماهي مهاراتك قبل أن اتحدث معك عن مشروعي القادم! لن يحدث هذا التواصل مالم يتم العمل على تحفيزه في بيئة مشجعة، ولا اظن ان هناك أفضل من مرافق الجامعة والمراكز التي تجمع أصحاب التخصصات المختلفة في فعاليات هدفها الأول والأخير ان يتعرف رياديي المستقبل على بعضهم. هذه البيئة المشجعة لن يتم خلقها وتكوينها في أسبوع أو شهر، وإنما هي ثقافة تحتاج لجهد ووقت ليتم زرعها في رواد المستقبل، وأعني ثقافة الانفتاح الفكري والجرأة على بدء علاقات مع الآخر المختلف والبحث عن فرص وأجوبة لأسئلة مشتركة.

٢- المرحلة الثانية: مرحلة إيجاد الأفكار و تطويرها ووضعها في الإطار الصحيح وتحديد نموذج العمل اللازم لتنفيذها وصولاً الى مرحلة عمل النموذج الأولي.

إن تحفيز الأفكار وتطويرها والحث على التفكير الإبداعي وتعليم اصول التفكير المنطقي هو غاية ومراد التعليم العالي، أو هكذا يجب أن يكون، فالجامعات مسؤولة عن إيجاد اليات وطرق لتحفيز الفكر الإبداعي بين منسوبيها، يمكن ذلك من خلال اطلاق برامج  تحفيز للمنافسات الإبداعية بشكل عمودي بين أصحاب التخصص وبشكل افقي بين التخصصات المختلفة، اطلاق منافسات على مستوى الكليات وعلى مستوى الجامعات. أيضا يجب التكثيف من الفعاليات المشجعة مثل عقد ورش عمل متخصصة، دعوة الرياديين لإقامة محاضرات وحوارات مع الطلاب، عرض تجارب وأمثلة محلية وعالمية ومناقشتها في قاعات الدراسة وفي الندوات المفتوحة، ايضاً تجهيز واتاحة المعامل  للجميع لتجربة أفكارهم ومناقشة المختصين والخبراء في التخصص المعني. هذا الدور الداعم والمحفز للجامعة يهدف لأمرين: أن يتعرف الرياديين على بعضهم، وأن ينتجوا أفكار إبداعية. إذا نجحت الجامعة في تحقيق هذين الهدفين تكون نجحت في دورها الرئيسي كمؤسسة معنية بالإبداع والبحث والابتكار.

٣-المرحلة الثالثة: مرحلة تأسيس الشركات الناشئة وما يتبعها من تعاون ودعم من قبل حاضنات ومسرعات الأعمال.

اعتقد أن هذه المرحلة سابقة لأوانها في أغلب جامعاتنا، ولكن اذا ارادت الجامعات أن تقوم بهذا الدور وتمارس دور حاضنات ومسرعات الأعمال فعليها أن تخرج من عباءتها الأكاديمية/الحكومية وذلك مثلاً عبر إنشاء شركات مستقلة تديرها عقليات وكفاءات ريادية لها تجارب وتجيد العمل بلغة القطاع الخاص. حينها تستطيع هذه (الشركات الجامعية) ممارسة الدور المعروف للحاضنات والمسرعات عبر تبني أفضل المشاريع والأفكار ودعم الرياديين ومساعدتهم على اطلاق شركاتهم الناشئة.

في موضوع الريادة والابتكار لا نستطيع أن نبدأ من حيث انتهى الاخرون، نحتاج أن نصعد السلم درجة درجة و نبدأ اولا بنشر ثقافة الابتكار والريادة ونتحدث بلغة الجيل القادم واهتماماته، لا يكفي ان تجمع عشرين طالب في قاعة وتخبرهم عن نجاح شركة اوبر وموقع فيسبوك ثم نوزع عليهم شهادات (رائد أعمال) ونتوقع منهم ان يفعلوا شيء عظيم في اليوم التالي! لن ننتج منتج ذو قيمة اقتصادية في غضون أشهر، لكننا اذا جعلنا اول الاهداف هو نشر ثقافة الابداع والابتكار وتحفيز الافكار الريادية والعمل على خلق مجتمع ريادي مبتكر، سنكون حينها،و بعد سنوات، جاهزين لتحويل هذه الافكار الى مشاريع ومنتجات ذات قيمة اقتصادية.

You might also like

1 Comment

  • نور 3 سنوات ago Reply

    موضوع رائع وتحليل اروع 👍👍 الجامعات بالبيروقراطية فيها تقص اجنحة المبتكرين والمبدعين ورواد الاعمال المحتملين والمتواجدين على الساحة .. يجب التوعية بالادوار لدى القائمين بهذا الدور في الجامعات اضافة الى ان لا يكون لدى الجامعة مطامع فيما يقوم به رائد الاعمال وان تمارس دور يشبه دور الاب او الام في توجيه ودعم وتسهيل عمل رائد الاعمال واعطاءه امكانات وحرية تحرك للانجاز , كذلك البحث عن المبتكرين من منسوبيها كافة وليس فئات محدده لان الابداع ليس حكراً على تخصص دون الاخر

Leave a Reply