Loading...

الابتكار في تعليم المهارات

“لا يمكننا التنبؤ بالمستقبل، فالغموض والتعقيد وعدم اليقين هي السمات الأكيدة له، هذه الحقيقة تجعل المهمة صعبة على المهتمين بالتعليم. كيف يمكننا أن نستعد لوظائف لم يتم انشاؤها بعد؟ كيف نجهز الأجيال القادمة لاستخدام تقنيات لم يتم اختراعها بعد أو لحل مشكلات اجتماعية لازلنا لا نستطيع تخيلها بعد؟ إننا نعيش زمن تغيرات ومنعطفات جذرية، فالمستقبل يبدو قاتماً وواعداً في نفس الوقت. لكننا لا يجب ان نشعر اننا ضحايا التغيير او الحلقة الأضعف، نحن من يملك تشكيل المستقبل وصناعته، وصناعة عالمنا الذي نحلم به OECD 2019 “.

كانت هذه خاتمة تقرير مؤتمر الابتكار في التعليم في مقر الاتحاد الأوربي ببروكسل عام 2019 كنت حينها ضمن المشاركين في ورشة عمل من 34 دولة  نتشارك فيها الحلول المبتكرة في التعليم والتي تنظمها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD . بعد أيام من الفعاليات تأكدت من شيء واحد، وهو أن ما نعانيه ونبحث له عن حل في مجال التعليم والابتكار في المملكة العربية السعودية ليست مشكلتنا وحدنا، إنها ايضاً مشكلة تعانيها دول صناعية متقدمة مثل المانيا وفنلندا واليابان، هذا التساوي في المعاناة كان مصدر اطمئنان لي، ذلك أننا جميعاً نبحث عن حل لنفس المشكلات والأسئلة فيما يخص التعليم، ماهي المعارف والمهارات التي يجب التركيز عليها؟ كيف نبتكر في تعليم هذه المعارف والمهارات؟ كيف نجهز الجيل الحالي لمواجهة تحديات المستقبل؟

كأكاديمي ومتخصص في التعليم والتدريب قمت بمراجعة بحثية للإجابة على أربعة أسئلة جوهرية تساعد المهتمين بتعليم المهارات على مواكبة التغييرات ومتابعة جديد الحلول والتجارب العالمية. إن مستهدفات التعليم والسياسات التعليمية العالمية تنبثق من عدد من الجهات العالمية ومن أهمها اليونسكو والبنك الدولي ومنتدى الاقتصاد العالمي ومنظمة الOECD من خلال هذه الجهات والمنظمات تمت صياغة مستهدفات التعليم ضمن اهداف التنمية المستدامة (الهدف الرابع SDG4 ) لذلك لابد لأي مهتم بمجال التعليم والمهارات أن يكون على اطلاع ومعرفة بالبرامج والمستهدفات التي تقدمها هذه الجهات لأنها تختصر علينا الكثير من الوقت من خلال ما تشاركه من معلومات وتوصيات وتجارب. وكذلك عندما نقدم حلول لمشكلاتنا فالحلول التي نبحث عنها يجب أن تكون في إطار المستهدفات العالمية بحيث يمكننا مشاركتها ونشرها على مستوى العالم.

السؤال الأول: لماذا يصعب تعليم المهارات الناعمة في  المدارس والجامعات بشكلها الحالي؟

منذ اكثر من 120 عام عندما بدأ التعليم يأخذ شكله الحالي اعتمد قياس نتائج التعليم على الاختبارات وتذكر المعلومات. فأصبح هدف الطالب الحصول على أعلى درجة لينتقل للمستوى الذي يليه وبالتالي أصبحت الاختبارات هي مقياس نجاح العملية التعليمية بالنسبة للطلاب وأولياء الأمور وحتى الجهات التعليمية. هذه الطريقة التي لازلنا نعيشها لليوم لا يمكن تطبيقها على المهارات التي نريد تعليمها للطلاب مثل القيادة أو التفكير الناقد أو الذكاء العاطفي، فقياس اتقان هذه المهارات لا يمكن أن يتم من خلال اختبار على ورقة، وبالتالي يصعب على المؤسسات التعليمية التقليدية أن تجعلها ضمن العملية التعليمية بشكل فعال وستحتاج لوقت طويل لتغيير هذا النموذج.

السؤال الثاني: ماهي نماذج التعليم الموصى بها  في المؤسسات والجهات التعليمية التي تستهدف المهارات؟

تنطلق أغلب النماذج المقدمة من مبدأ يعرف بالتعليم النشط (Active Learning) والذي تتفرع منه نظرية تعليمية تعرف بالتعليم الظرفي (Situated learning) توضح هذه النظرية أنه لا يجب التفرقة بين المعرفة والممارسة، باعتبار أن المعرفة مرتبطة ببيئة العمل المنشود والسياقات والتفاعلات المرتبطة بهذا العمل. لذلك نجد تركيز على تعليم المهارات الناعمة ضمن مشاريع وحالات تشبه الواقع تعرف ب Project-based, Case-Based and  Scenario-based learning فتعليم مهارات التفكير الناقد أو القيادة أو التواصل يكون جزء منها معرفي ولكن الجزء الأكبر والأهم هو التطبيقي.

السؤال الثالث: كيف استطاعت بعض المؤسسات العالمية النجاح في دمج تعليم وتطبيق المهارات لطلابها؟

كانت المشكلة الدائمة هو  إيجاد طريقة للتأكد من اتقان الطلاب للمهارات اللازمة. وقد برزت العديد من الجهات والمؤسسات ومن أبرزها منظمة Skills USA في صياغة مشاريع لتطوير المهارات اللازمة ومن ثم عمل منصة سجل الاتقان الالكتروني  Mastery Transcript Project  بحيث يستطيع الطالب أو المتدرب تسجيل المهارة التي اتقنها وارفاق الشواهد على ذلك ليكون لديه ما يشبه صفحة  Portfolio مدرج فيها المهارات في هذا الفيديو نبذة عن مشروع  Mastery Transcript Project الذي يتم تطبيقه في العديد من المؤسسات التعليمية الأمريكية.

السؤال الرابع: ماهي المسارات الرئيسية في مجال تعليم المهارات التي يتم بحثها والعمل على تقديم حلول مبتكرة فيها؟

من خلال البحث ومتابعة المشاريع الريادية في هذا المجال يظهر بوضوح العمل على مسارين رئيسيين وهما:

المسار الأول: مسار يركز على حديثي التخرج أو الموظفين الراغبين في تحسين مهاراتهم أو تعلم مهارات جديدة، Up-skilling and re-skilling ظهرت أهمية هذا المسار بعد جائحة كرونا ويبرز فيه نموذج تدريب المهارات حسب طبيعة العمل المنشود Job’s driven skills  حيث يتم خلق بيئة تشبه العمل المراد تطبيقه وبعدها يتم ابتكار سيناريوهات ومواقف تشبه الحياة الحقيقية يتم من خلالها تدريب المهارات اللازمة ومثال على ذلك المشروع الذي استخدمت فيه شركة وولمارت الأمريكية الواقع الافتراضي في تدريب المهارات الناعمة.

المسار الثاني:  مسار يركز على الطلاب في مقاعد الدراسة بجميع المراحل التعليمية، هناك محاولات مميزة تسعى لدمج التعليم التقليدي بتعليم المهارات ومثال عليه School of Humanity وهي ثانوية عالمية اونلاين بالكامل تركز على تعليم المهارات وايضاً مثال مشروع Minerva المتخصص في تصميم برامج تعليمية تدمج المهارات لطلاب الجامعات باستخدام التعليم المدمج والواقع الافتراضي.

الحاجة الى معمل متخصص في الابتكار في تعليم وتدريب المهارات

 على الرغم من معرفتنا بالمهارات الأساسية التي يحتاجها جيل المستقبل، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في إيجاد حلول مبتكرة نستطيع من خلالها تعليم هذه المهارات وإيجاد طرق موثوقة لقياس اتقانها. يومياً تظهر العديد من الحلول و الابتكارات في مجال تعليم المهارات، فهو المجال الأكثر بحث واهتمام من قبل المؤسسات التعليمية والتدريبية على مستوى العالم. ولكن التحدي ما زال في بدايته، فالجميع لا يزال يجرب الحلول ويبحث عن النموذج الابداعي الذي يصل من خلاله لأفضل طريقة ممكنة لتعليم المهارات. ونحن بدورنا في المملكة العربية السعودية أصبحنا اكثر تحفز ورغبة في خوض هذا التحدي لذلك جاء الاقتراح أن يكون لدينا معمل متخصص في الابتكار في تعليم وتدريب المهارات Learning and Training Innovation Lab

أبرز مشاريع المعمل:

  • مراجعة النماذج العالمية وتقييمها وعقد شراكات مع الجهات المميزة لتطبيق ما يناسب في برامجنا المحلية.
  • اطلاق Mastery Transcript Project يمثل بوابة لرصد وتسجيل المهارات الناعمة للمستفيدين يتم فيه ربط المهارات المستهدفة والتعاون مع الجهات ذات العلاقة ليكون بمثابة مرجع موثوق للمهارات.
  • صياغة مبادرات تعاون مع الجهات ذات العلاقة لتدريب المهارات الناعمة حسب طبيعة العمل  Job’s driven skills
  • تحفيز البحث والابتكار في تقديم نماذج إبداعية في مجال تعليم المهارات Soft skills innovation fund.

إن اقتراح هذا المشروع بمسمى معمل (Lab) أسوة بالمؤسسات والمراكز العالمية يحقق الطبيعة التجريبية الابتكارية للمعامل وأيضاً يأخذ على عاتقه تحويل الأفكار والنظريات التعليمية الى برامج تطبيقية. هذا النوع من المشاريع سيساعد على الانطلاق في عدة جهات في نفس الوقت، فمن خلاله نستطيع القيام بالبحث والتطوير وإنشاء برامج وتجريب تقنيات وأفكار جديدة. وعلى طريقة مراكز الابحاث والمعامل العلمية، سيكون مركز لدعم مشاريع تطبيقية وبحثية في مجال تعليم المهارات وسيكون نافذة الاتصال مع المجتمع المحلي واحتياجاته ومع المجتمع العالمي وأحدث ما تم التوصل اليه في مجال تعليم المهارات.

 

You might also like

No Comments

Leave a Reply